يبدو سيناريو التصعيد في جنين قائماً، وإن كان عبر عمليات عسكرية إسرائيلية خاطفة وبمركبات مدنية
وفي تفاصيل ما جرى، دارت اشتباكات مسلّحة واسعة في عدّة مناطق، من بينها مكان تواجد القوّة الخاصة «يمام»، وتخلّلها إلقاء عبوات محليّة الصنع «أكواع» وزجاجات حارقة، ثم امتدّت المواجهات، أثناء انسحاب القوات الإسرائيلية المقتحِمة، بعد اعتقالها الأربعة. ذهولٌ عاشه الفلسطينيون الذين رفضوا تصديق خبر اعتقال المطاردَين. وبعد انسحاب جيش العدو من جنين، أصّر مقاومون على ملاحقته عند دوّار الشهداء قرب بلدة قباطية جنوب جنين، مطلقين النار صوب آلياته، ثم فتح مسلّحون النار في اتجاه حاجز «دوتان» قرب بلدة يعبد جنوب جنين.
لماذا كان المشهد سريعاً وغير متوقع؟
فاجأت النهاية السريعة للمشهد الجميع، لكن المتفحّص للواقع يرى أن ما جرى ليس مستغرباً. ففي مدن ومناطق أخرى لا يكتشف الفلسطينيون وجود «المستعربين» أو القوات الخاصّة الإسرائيلية، إلّا عند انسحابها أو بعد ذلك. لكن في جنين، حيث اشتبك المقاومون مع قوة «يمام» بعد دقائق من حصارها لمنزل المطاردَين، لعب عنصر المفاجأة دوراً حاسماً في المشهد، لا سيما أن أحداً لم يكن يعرف بمكان وجود نفيعات وكممجي، وما إذا كانا هدف الاقتحام، علماً أن مخيم جنين يبعد مسافة تبلغ نحو أربعة كيلومترات عن مكانهما. وأعطى العدد الضخم من الآليات العسكرية الإسرائيلية والجرافة، مؤشراً إلى وجود اقتحام شامل لجنين ومخيّمها، الأمر الذي دفع المقاومين إلى الاستعداد في المخيّم والتركيز على التجهيز فيه، وسط إغفال بقية المناطق كونها غير محصّنة أمنياً ويُستبعَد أن يقتحمها العدو. في الموازاة، يكشف الأسير أيهم كممجي، عبر محاميه، للمرّة الأولى، تفاصيل جديدة من مطاردته بعد انتزاع الحرية من سجن جلبوع، إذ يؤكد أن جيش الاحتلال أطلق النار عليه مرتين، في العفولة في الداخل المحتلّ، وقرب إحدى فتحات الجدار الفاصل في محيط قرية سالم غرب جنين. ويشير كممجي إلى أن أحد الجنود وقف فوق رأسه واستولى على أغراضه الشخصية، لكنه لم يلحظه، بينما كان مختبئاً مع رفيقه مناضل نفيعات بين الأعشاب في العفولة. كما ينقل المحامي عن كممجي، قوله، إنه كان موجوداً في مخيّم جنين منذ اليوم الثالث لحريته، ثم التقى مع مناضل بعد ستة أيام من تاريخ انتزاع الحرية، فيما يصف مشاعره عندما دخل محافظته جنين، بالقول: «عندما وصلت جنين، شعرت كأنّي وصلت الجنة، وكنت أتمنّى أن أزور قبر أمي ولكن لم أستطع ذلك».
بهذه الخاتمة، طُويت صفحة أسرى نفق الحرية الستة خارج السجون بإعادة اعتقالهم، لكن مرجل جنين لا يزال يغلي، نظراً إلى أن فتائل التوتّر والتصعيد لم تنطفئ. وإذا كانت قضيّة الأسرى المطارَدين عاملاً بارزاً في تعزيز ظاهرة التعبئة الجماهيرية والاشتباك فيها، إلّا أن ثمّة عوامل أخرى تشي بتصعيد قادم، أبرزها استمرار وجود مقاومين، وتواصل فعاليات الإرباك الليلي قرب حاجز الجلمة. ويرى مراقبون أن العدو الإسرائيلي لن يترك هذه الظاهرة من دون معالجة، كون «التغافل عن وجود المقاومين قد يدفعهم إلى التصعيد ويمنحهم حرية أكبر في الحركة وتنفيذ عمليات متصاعدة بشكل أكبر». وتجدر الإشارة إلى أن ظاهرة الاشتباك المسلّح وعودة المقاومين إلى الظهور في مخيّم جنين، ليست وليدة قضيّة نفق «جلبوع» بل سابقة لها.
وبناءً على ما سبق، يبدو سيناريو التصعيد قائماً، وإن كان عبر عمليات عسكرية إسرائيلية خاطفة وبمركبات مدنية، فيما ستكون مسألة اعتقال كممجي ونفيعات دافعاً للتوتر المضاعف بدلاً من نزع فتيل التصعيد، إذ يشعر الفلسطينيون هنا في جنين بأنهم مقصّرون في حماية المطاردَين الاثنين على رغم عدم معرفتهما بوجودهما داخل مخيّم جنين ومن بعده في الحيّ الشرقي. ويُذكر أن مسؤولاً أمنياً إسرائيلياً صرّح لـ«القناة 12» العبرية، بأن مطاردة الأسرى الستة كانت استثنائية، واضطرّت العدو إلى حشد قوات ضخمة ومتنوعة بهدف الوصول إليهم و«استعادة شرف إسرائيل المفقود الذي تضرّر بعد عملية الهروب، واستعادة كبريائها بعدما تحوّلنا إلى أضحوكة أمام العالم». وبحسب القناة، تُعدّ تكلفة عملية مطاردة الأسرى الستة من بين الأعلى التي تكبّدتها إسرائيل منذ عام 1948، إذ تجاوزت الـ100 مليون شيقل، فيما قدّر مسؤول أمني إسرائيلي، في حديثه لنفس القناة، التكاليف اليومية لعملية البحث عن كممجي ونفيعات، بـ10 إلى 20 مليون شيقل.