وعلى رغم أن هناك اطمئناناً في الجزائر إزاء الموقف الرسمي، إلا أن أكثر الملفات التي احتلّت صدارة الاهتمام السياسي والشعبي، في الفترة الأخيرة، كان القضية الفلسطينية، بعد إعلان الإمارات والبحرين إقامة علاقات رسمية وتبادل السفراء مع الكيان الصهيوني. وظهر إجماع بين كلّ القوى المهيكِلة للمشهد السياسي الجزائري، من أقصى اليسار إلى الأحزاب الوطنية والإسلامية، على رفض التطبيع، باعتباره أداة لتصفية القضية الفلسطينية. وفي أبرز ردود الفعل، قالت «حركة مجتمع السلم»، وهي أكبر حزب إسلامي في البلاد، إن محاولات التطبيع الأخيرة من قِبَل بعض حكّام العرب تهدف إلى «تحقيق إنجازات وهمية في إطار الحملة الانتخابية لترامب، وإنقاذ المجرم نتنياهو من الأزمات السياسية وفضائح الفساد»، مُحذّرة الدول العربية والإسلامية من الرضوخ لضغوط التطبيع، لِما يُشكّله ذلك من تهديد لاستقرار المنطقة. ومن التيار الوطني، اعتبر حزب «طلائع الحريات» الذي أسّسه رئيس الحكومة سابقاً علي بن فليس، أن مسار التطبيع الجاري «يُمثّل عربون ترضية مجّانية للإدارة الأميركية وللكيان الصهيوني». أما من جانب اليسار، فقد ندّد «حزب العمّال»، بشدّة، بـ«خيانة الأنظمة العربية للقضية الفلسطينية»، وطالبت زعيمته، لويزة حنون، السلطات الجزائرية بالانسحاب من الجامعة العربية وعدم الجلوس مع المطبّعين.
تبقى القضية الفلسطينية في الجزائر من أهمّ ما يَجمع مختلف القوى السياسية
وعلى رغم التأنّي الذي تظهره الجزائر دائماً في إبداء مواقفها الدبلوماسية، إلا أنها استبقت مسار التطبيع الحالي قبل أشهر، وأعلنت على لسان مسؤولين رفيعين في البلاد رفضها لما سمّي بـ«صفقة القرن». وعبّر عن هذا الموقف بدقة، كاتب الدولة لدى وزارة الخارجية، رشيد بلادهان، في اجتماع لـ«منظمة التعاون الإسلامي» في شهر حزيران/ يونيو الماضي، حينما قال إن «القضية الفلسطينية تمرّ بظرف جدّ حساس»، على خلفية إعلان سلطات الاحتلال الإسرائيلي عزمها المضيّ قدماً في تنفيذ بنود مشروع «صفقة القرن» التي وصفها بـ«الجائرة». وأبدت الجزائر رفضها ضمّ أجزاء واسعة من أراضي دولة فلسطين المحتلة عام 1967، في «تحدٍّ لإرادة المجتمع الدولي في إحلال سلام عادل ودائم وشامل في المنطقة، وانتهاك صارخ لكافة القوانين والأعراف الدولية التي تنصّ على بطلان ضمّ واحتلال أراضي أيّ دولة باستخدام القوة»، وقالت إنها تتمسّك بـ«المبادرة العربية والشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن الدولي، لا سيما القرارين رقم 242 و338»، كما طالبت بالرجوع إلى طاولة المفاوضات من دون شروط مسبقة.
وتبقى القضية الفلسطينية في الجزائر من أهمّ ما يَجمع مختلف القوى السياسية المعارضة والموالية مع السلطة السياسية. إذ اشتُهرت البلاد، منذ عهد الرئيس السابق الهواري بومدين، بمقولة «نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة»، وهي العبارة التي تتردّد في كلّ الخطابات الرسمية والسياسية إلى غاية اليوم. وانعكست هذه التنشئة السياسية على عموم الجزائريين، الذين يبدون ارتباطاً قوياً بفلسطين ويُظهرون حساسية عالية تجاه كلّ ما يتعلق بالكيان الصهيوني.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا