اعتادت إسرائيل أن تحجز لنفسها حضوراً متميزاً في معارض السلاح العالمية، وكانت على الدوام تفعل ذلك بدافع إظهار تفوق صناعاتها العسكرية كمقدمة ترويجية ضرورية لإستدراج زبائن من شتى أنحاء العالم. وبالنسبة إلى دولة تعتمد موازنتها على نحو وازن على المداخيل المليارية التي توفرها لها صفقات بيع السلاح، تغدو مثل هذه الصفقات حاجة اقتصادية أصيلة، لا مجرد رديف ثانوي يمكن تعويضه بسهولة.
وعلى هذا الأساس يمكن، مثلاً، فهم «هجوم» العلاقات العامة الذي شنّته قيادة المؤسسة الأمنية برئاسة وزير الدفاع، موشيه يعالون، والمدير العام للوزارة، دان هارئيل، وعشرات آخرين من المسؤولين داخل المؤسسة، بمن في ذلك مسؤولون في شركات التصنيع الحربي، على الصالون الجوي في سنغافورة الأسبوع الماضي، ومعرض دفيكسبو للوسائل القتالية في نيودلهي.
إلا أن الأهم في ما يتعلق بهذا الهجوم تحديدا، هو أن في خلفياته ما يتعدى الترويج التقليدي لصفقات السلاح، ويؤشر إلى قلق جدي يعتري الصناعات العسكرية الإسرائيلية من تحديات جديدة تواجهها. وبحسب تقرير نشرته صحيفة «معاريف» أمس، فإن هذه التحديات تتمحور حول أمرين اثنين: تراجع سوقَي التصدير الأوروبي والأميركي لمصلحة السوق الآسيوية، والمنافسة الشرسة التي أصبحت الصناعات العسكرية الأميركية تمارسها في اقتطاع حصص من هذه السوق على حساب نظيرتها الإسرائيلية.
وبحسب تقرير الصحيفة، فإن المثال الأحدث على هذه المنافسة هو تدخل وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، شخصيا، مدعوما بمسؤولين آخرين في الإدارة الأميركية لعرقلة صفقة بين تل أبيب ونيودلهي، لشراء الأخيرة «كمية ضخمة» من صواريخ «سبايك» الإسرائيلية المضادة للدبابات، واستبدالها بصواريخ أميركية من طراز «جبلين»، بل إن الأميركيين قدموا إلى الهنود وعدا مغرياً في إطار سعيهم إلى الاستئثار بالعقد، وهو إشراكهم في تطوير الجيل المقبل من الصواريخ الأميركية المضادة للدروع، وإذ أشارت الصحيفة إلى أن هذا التدخل القيادي الأميركي للحصول على الصفقة، مردّه إلى سعي واشنطن إلى فعل كل ما وسعها لتوفير فرص عمل للصناعات العسكرية الأميركية، في ضوء التقليصات التي طاولت موازنة وزارة الدفاع، فإنها لفتت إلى أن هذا الدافع بالضبط هو ما يحرك المسؤولين الإسرائيليين في سعيهم نحو تعزيز حصتهم من السوق الآسيوية، وخصوصا في ضوء التقليص الكبير لطلبات الجيش الإسرائيلي من شركات التصنيع الحربي المحلية. وللتدليل على مبلغ القلق الإسرائيلي على هذا الصعيد، أشارت الصحيفة إلى أن واحدة من أهم أربع شركات إسرائيلية للصناعات العسكرية، شركة «ألبيت»، صرفت خلال العام الماضي فقط نحو 6 آلاف عامل من أصل 18 ألفا، علما أن موجة الصرف مستمرة وتضرب هذه الأيام شركة أخرى، هي «رفائيل». وفي ضوء هذه المعطيات، تصبح مليارات الدولارات، التي يمكن سوق الأسلحة الآسيوية أن تدرّها على الخزينة الإسرائيلية، أكثر من حيوية للاقتصاد والأمن الإسرائيليين.
وتوضح الصحيفة العلاقة بين تصدير السلاح الإسرائيلي، من جهة، والاقتصاد والأمن، من جهة أخرى، مشيرة إلى أن التصدير يتيح على نحو عام تمويل كلفة التطوير الهائلة للصناعات العسكرية في إسرائيل، وخصوصاً أن الجيش الإسرائيلي ـــ كزبون ـــ لا يمكن أن يستوعب كل الوسائل القتالية التي يجري تطويرها، حتى إن بعض مشاريع التطوير تجري بالتعاون مع دول أجنبية صديقة لتغطية أكلافها. وعلى هذا الأساس، فإن إبقاء الأسواق مفتوحة أمام الصناعات العسكرية الإسرائيلية يشبه هواء التنفس بالنسبة إلى هذه الصناعات.
وفي إطار شرح الأزمة الإسرائيلية على هذا الصعيد، تلفت «معاريف» إلى أن صادرات الأسلحة الإسرائيلية توزعت حتى ما قبل بضع سنوات على ثلاثة أسواق متساوية: الولايات المتحدة، أوروبا، وباقي العالم. لكن في الأعوام الأخيرة، التي شهدت طفرة في هذه الصادرات، تركزت المبيعات على نحو أساسي في منطقة جنوب شرق آسيا وبعض الدول السوفياتية السابقة، إضافة إلى فيتنام، التي تُعد سوقا ذات آفاق واعدة. إلا أن الهند بقيت تُعد خلال هذه الفترة الزبون الأكبر للصادرات العسكرية الإسرائيلية.
ويؤكد شيرلي بن شطريت، نائب المدير العام للتسويق في شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية، أن الاتجاه لنمو سوق الأسلحة الآسيوية سيتعاظم في المستقبل، ويوضح أن التقديرات في شركته تبين أن موازنات الدفاع في آسيا ستكون عام 2020 أعلى بمعدل 53 في المئة مقارنة بعام 2012، فيما موازنات الدفاع في الولايات المتحدة وأوروبا ستكون أقل بـ 20 في المئة مقارنة بما كانت عليه عام 2012.
ووفقا لبن شطريت، تعود أسباب هذه التغيرات إلى تحوّلات اقتصادية وجغراسياسية، «فالاقتصادات في الشرق تتفجر بينما اسواق الغرب تنطفئ، ودول حلف الناتو باتت تعبة من الحروب، وتعاني فائض عتاد بعد الخروج من العراق وافغانستان الوضع في آسيا آخذ في السخونة فقط. فالنزاع الهندي الباكستاني ساخن اكثر من أي وقت مضى، وكذلك النزاعات على جزر ومناطق سيطرة في بحر الصين، حيث اكتُشفت في السنوات الاخيرة مخزونات هائلة من الطاقة». وبناء على ذلك، يعتقد بن شطريت أن «هذه الأوضاع ستؤثر في كل آسيا، وقد حددنا كهدف سلسلة من الدول في الشرق الاقصى، بما فيها اليابان، التي تنفتح على السوق الاسرائيلية، وكذلك الفلبين، التي قررت على نحو مفاجئ زيادة سنوية لموازنة التسلح الخاصة بها، قيمتها 1.8 مليار دولار». كذلك أشارت «معاريف» إلى علاقات تجارية عسكرية «لا يمكن الكشف عنها» مع دول آسيوية، ملمحة إلى أن سنغافورة بين هذه الدول.
ويبدو أن إسرائيل لا تزال متفائلة بالنسبة إلى مستقبل صفقاتها التسليحية مع الهند «برغم الجهود الأميركية لإحباط صفقة سبايك». وفي هذا السياق، قالت الصحيفة إن تل أبيب تتوقع إبرام عدة عقود جديدة مع نيودلهي بعد الانتخابات التي ستجرى في حزيران هناك، كما كشفت «معاريف» أن الجانبين يتشاركان حاليا مشروع «ركيع» لتطوير عربة قتالية مستقبلية يفترض أن تحل مكان دبابة «ميركافا» في العقد القادم.
يشار إلى أن حجم الصادرات العسكرية الإسرائيلية نما على نحو كبير خلال العقد الأخيرة، ووصل الحجم السنوي إلى سبعة مليارات دولار، أي إلى نحو ربع إجمالي الصادرات التكنولوجية الإسرائيلية، كما أن نسبة ما يجري تصديره من منتجات الشركات الإسرائيلية الكبرى في هذا الحقل تتجاوز 80 بالمئة، فيما يستهلك الجيش الإسرائيلي النسبة الباقية. ولا تشمل هذه المعطيات وسائل الحماية والدفاع ذات الطابع المدني، ولا منتجات صناعة «السايبر» الإسرائيلية التي تقع على الحافة المشتركة بين ما هو مدني وما هو أمني.