لم يكشف الاعلام الإسرائيلي جديداً عندما تحدث عن أنهم في إسرائيل يتابعون بقلق الاحتجاجات الشعبية في الأردن، بل يأتي هذا الموقف ترجمة للموقع الذي يحتله في الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي، الذي يفرض اهتماماً استثنائياً من قبل المؤسسات الأمنية والسياسية في تل أبيب، للتطورات السياسية والأمنية التي تتصل بالأردن، داخله وخارجه. ويمكن إجمال حجم حضور مفاعيل أي تطور «أردني» في الساحة الإسرائيلية من خلال ما حدده رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في كتابه «مكان بين الأمم»، بالقول إن أيّ انهيار أو ضعف للنظام الأردني يمكن أن يؤدي إلى «تغيّر الوضع الاستراتيجي لإسرائيل بين عشية وضحاها». وانطلاقاً من هذا المفهوم، كان الموقف الإسرائيلي الدائم أنّ إسرائيل معنية بأي مستجد ينطوي على مؤشرات مقلقة تتصل باستقرار النظام الأردني، وصولاً إلى إمكانية التلويح بالتدخل العسكري المباشر. وهو أمر تم تناوله من قبل العديد من المسؤولين في العديد من المحطات والمراحل السابقة. وفي ما يتعلق بالاحتجاجات الشعبية الحالية، رأت «هآرتس» أن «الأردن هو دولة هامة من ناحية استراتيجية في دائرة الدول العربية المؤيدة للغرب – هو لبنة هامة في سور التعزيزات ضد إيران».في السياق نفسه، يجدر التذكير بالاهتمام الإسرائيلي في الاتصالات التي تناولت الترتيبات الأمنية المطروحة في الجنوب السوري، مقابل الحدود الأردنية، والذي لم يكن أقل من اهتمامه بالترتيبات المتصلة بالجولان. ودائماً كان للأردن موقعه الأساسي في أي استراتيجية يرسمها نتنياهو لمواجهة التهديدات في المنطقة، بل هو منشأ العديد من الشروط السياسية التي تتصل بالتسوية مع الفلسطينيين، ومنها المطالبة ببقاء الجيش الإسرائيلي في غور الأردن، وإقامة شريط شائك على الحدود مع الأردن...
لأكثر من اعتبار، من غير المتوقع أن تكون كافة مجريات المتابعة الإسرائيلية للاحتجاجات الشعبية، علنية وأن يتم التعبير عنها كلها في وسائل الإعلام. مع ذلك، فقد لفتت القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي، إلى أن «العيون شاخصة (في تل أبيب) إلى ما يحدث في الأردن»، مشيرة إلى أن «كل ما يحدث هناك لا شك يؤثر في ما يحدث هنا». وفي الإطار نفسه، أوضحت «هآرتس» أنهم «عندما يبدأون في التظاهرات يطلقون شعارات ضد النظام وليس فقط ضد رئيس الحكومة، وعندما يدعون إلى طرد الملك، فإن احتجاجاً أكبر من شأنه أن يفاجئ ويؤدي إلى تحول سياسي خطير». ومع أنها أشارت إلى أن «الملك عبد الله أثبت فعلياً في الـ19 سنة من حكمه أنه يعرف كيفية إدارة الأزمات والحفاظ على مملكته فوق سطح الماء»، لكنها عادت ولفتت إلى أنه «في هذه المرة منسوب المياه لا يكفي من أجل تهدئة الجمهور الذي أيضاً يمول أكثر من مليون لاجئ رفعوا نسبة البطالة في أوساط المواطنين إلى أكثر من 18 في المئة».
أيّاً كانت السياقات التي أدت إلى هذه الاحتجاجات، إلا أن ما تهتم له تل أبيب الآن، هو مدى تواصلها وتطورها، وانعكاس كل ذلك على استقرار النظام الأردني والمآل الذي ستنتهي إليه. لكن من الناحية الموضوعية يمكن توظيفها في أكثر من مسار، فهي تشكل أداة ضغط على النظام الأردني لتطويع موقفه في سياق الخيار الذي ينتهجه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وتحديداً من «صفقة القرن» التي يتخوف من تداعياتها على الساحة الأردنية. ومن هنا تنبع بعض التقديرات السائدة في إسرائيل وخارجها عن أن السعودية والإمارات هي من تقف وراء هذه الاحتجاجات، وهو ما أشارت إليه صحيفة «يديعوت أحرونوت»، بالقول إن «السعودية والإمارات ومصر وإسرائيل وأميركا كان لهم دور في تصاعد الأحداث والاحتجاجات التي تعم الأردن حالياً». وزعمت أيضاً أن «الضغط الإسرائيلي على واشنطن لحماية الأردن آخذ في الانخفاض وبالتالي؛ فإن على الأردن أن يقف على قدميه وأن يهتم بنفسه».
بغض النظر عن تفاقم الوضع الاقتصادي وما تلاه من حراك شعبي، وسبل توظيفه في مسارات سياسية محدَّدة، تبقى حقيقة ثابتة أن استقرار النظام الأردني كان وما زال مصلحة أمن قومي إسرائيلي، ولن توفر تل أبيب أي جهد للحؤول دون تطور الأوضاع وخروجها عن سيطرة النظام، بل هو أيضاً مطلب الدول نفسها التي قد تكون تمارس ضغوطاً ما على النظام، وهو ما أشارت إليه «هآرتس» بالقول: «ليس من المبالغ فيه التقدير أن دولاً عربية غنية والإدارة الأميركية ستهب لمساعدة الملك وتدعمه اقتصادياً».