حلب | أعلن السفير الأميركي في أنقرة، جون باس، أخيراً موقف الولايات المتحدة من «الملف الكردي» في سوريا، أكثر المسائل حساسية بالنسبة إلى الحليف الأول في المنطقة، تركيا. وفي وقت كانت فيه صواريخ «المعارضة المعتدلة»، المدعومة من كلتا الدولتين، تدكّ حي الشيخ مقصود ذات الغالبية الكردية، شمال مدينة حلب، أكّد باس أن بلاده «لا تزود وحدات حماية الشعب الكردية، الحليف الوثيق لواشنطن، بالأسلحة والذخيرة».
فُهِم التصريح الأميركي بأنه «رفع لغطاء واشنطن» عن القوة الكردية الرئيسية في سوريا، والفصيل الكردي المسلح الأكثر تنظيماً وفعالية على الأرض. التصريح حول المسألة الميدانية تبعه آخر في الإطار السياسي، عندما أعلن أن «واشنطن تعارض مساعي أي جماعة سورية لإحداث تغيير ديموغرافي في المنطقة وراء ستار قتال تنظيم داعش».
طمأنت الفكرتان الحليفة تركيا، التي لم يفوّت رئيسها فرصة في الآونة الأخيرة دون أن يعبّر عن استيائه من موقف واشنطن من «التحركات والطموحات الكردية» في المنطقة، حتى وصل به الأمر إلى مطالبة أوباما بصراحة بضرورة الاختيار بين «الوقوف مع الصديق التركي أو منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية».
لا يمكن أهالي الشيخ مقصود حصار أحد

في المقابل، رأى الصحافي السوري الكردي، نضال حنان، المتابع للشأن الكردي أن «القوات الكردية تشكل الركيزة الأساسية لجهود مكافحة الإرهاب في سوريا، ويعتمدها التحالف الدولي كقوة ذات ثقة وقدرة على مجابهة داعش». وأضاف لـ«الأخبار»: «اعتقد أن أي تغيير في هذا المسار ليس سهلاً، في ظل الضعف والتشتت الذي يسيطر على فصائل المعارضة الأخرى، التي تتحول في النهاية إلى قوات ترانزيت لمصلحة فصائل راديكالية متشددة يضعها مجلس الأمن في خانة الإرهاب»، قاصداً «جبهة النصرة».
وبحسب حنان، يأتي تصريح باس «لطمأنة الحكومة التركية» بعد استهداف «داعش» مدينة كلس بالقذائف، باعتبارها عضواً في «حلف شمال الأطلسي»، و«لا يمكن أن تخرج عن هذا الإطار، ولاحتواء التحركات التركية الداعمة للفصائل المعارضة ومنع انزلاقها في سياقات لا تتناسب مع الخطط الدولية». ويدعم حنان وجهة نظره بالإشارة إلى أن «زيادة عدد عناصر القوات الخاصة الأميركية المرافقة للقوات الكردية يأتي في سياق التعاون والتنسيق المشترك، وبدعم من طائرات التحالف التي تعمل على تجهيز قاعدتين عسكريتين إحداهما في رميلان وأخرى في كوباني». ويضيف أن «روسيا تسعى إلى توسيع نفوذها في سوريا، وأي تراجع أميركي يعني تقدم روسي في هذا الاتجاه، وما القصف الروسي الأخير على محيط الشيخ مقصود إلا رسالة تأتي في هذا السياق».
وتزامنت التصريحات الأميركية مع هجوم غير مسبوق لفصائل مسلحة على حيّ الشيخ مقصود، أبرزها «جيش الإسلام» و«الجبهة الشامية» و«السلطان مراد» و«حركة نور الدين الزنكي» و«السلطان سليم الأول»، بهدف السيطرة على الحيّ، رغم تصريح عدد منها بالتزام الهدنة التي خُرقت بنحو شبه كامل في حلب، نتيجة تداخل جبهاتها بين فصائل يراها الخارج «معارضة معتدلة» و«جبهة النصرة».
وبثّت الفصائل المسلحة عدداً كبيراً من مقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، تتضمن مشاهد لقصف الحي بالمدافع والصواريخ، وتوعد خلالها قادة هذه الفصائل «بتحرير الحي من أتباع منظمة البي كي كي الإرهابية».
وأكّد رئيس المجلس المشترك للشيخ مقصود، عماد داوود، أن «القصف على الحي الذي بدأ الثلاثاء الماضي لم يتوقف حتى ظهر الجمعة (أمس)، وهو الأعنف على الحي الذي تعرض للقصف من جميع أطراف النزاع السوري منذ عام 2013». وقال: «بلغ عدد ضحايا القصف الهمجي على الحي 26 شهيداً و102 جريح أغلبهم من الأطفال والنساء». وأشار إلى أنّ الحي تعرض ظهر الخميس لقصفٍ «بجرار غاز تحمل غازاً ساماً»، وهو ما أكده طبيب في مركز «الهلال الأحمر الكردي» في الحي بالقول: «لم نستطع تأكيد نوع الغاز الذي استعمل بسبب عدم وجود مخابر في الحي، لكن الأعراض التي ظهرت على الحالات الـ 4 التي وصلتنا من اختلاجات وقيء وضيق نفس ولون الغاز الذي تحدث عنه المصابون يجعلنا نشك في غاز الكلور».
كلام أكّده «جيش الاسلام» الذي كشف في بيان صادر عن المتحدث الرسمي باسمه مساء الخميس قيام الفصيل بإحالة أحد قادته على المحاكمة بسبب إقدام أحد قادته باستعمال «أسلحة غير مصرح له باستخدامها». واتهم البيان «وحدات حماية الشعب» بـ«محاولة السيطرة على حي الشيخ مقصود وطريق الكاستيلو» سعياً لإطباق الحصار على مدينة حلب.
اتهامات ردّ عليها داوود بالقول: «نحن موجودون في الشيخ مقصود منذ سنوات، ولو كانت حجة الكاستيلو صحيحة فلماذا وقع جميع قتلى التنظيمات المسلحة على الحدود الإدارية للحي؟ ألم يكن من المفترض أن يقتلوا بالقرب من المعبر الذي يروجون لمحاولة الهجوم عليه؟». وأضاف: «الحي محاصر أصلاً من جميع الجهات، ما يعني أنه لا يمكننا فرض حصار على أحد، فنحن محاصرون».