القاهرة | بينما يوحي ظاهر الأمور بسيطرة التيار القديم داخل جماعة «الإخوان المسلمين» على مقاليد الأمور، وحسمه صراع «الشرعيات والبيانات» الذي تفجر قبل مدة بصورة ظاهرية ومؤقتة لمصلحته، فإن إمارات الخلاف والشقاق بين هذا التيار والجيل الشاب عادت إلى الظهور مرة أخرى، بعد دعوة حركة «الاشتراكيين الثوريين» المصرية إلى بناء «جبهة ثورية جديدة» مع الجماعة. فقد تباينت ردود أفعال قيادات «الإخوان» الرسمية خارج مصر حول الدعوة التي طالبت بـ«بناء جبهة ثورية جديدة متجاوزة لفوبيا الإسلاميين، ومستعدة لتجاوز هيستيريا المجابهة العلمانية الإسلامية المجردة، لا تضم الإخوان، لكنها منفتحة للعمل المشترك مع شباب الإسلاميين»، كذلك رأى أصحاب الدعوة أن الشعارات المعارضة لـ«الإخوان» تدعم النظام الحالي الذي وصفوه بـ«الديكتاتوري».
وبينما رحّبت القيادات المحسوبة على التيار الجديد ــ الشاب ببيان «الاشتراكيين الثوريين»، طالبت قيادة إخوانية محسوبة على تيار التنظيميّين، الحركة، بالتوبة من «الجرائم» التي حدثت. مع هذا، فإن قيادات في «الاشتراكيين الثوريين» أوضحت، في تصريحات متتالية، أن الانفتاح على «شباب الإخوان» لا يعني وجود تنسيق مواقف مسبقة مع الجماعة أو إنشاء تحالف معها، بل «تبني موقف مدافع عن حقهم في التظاهر السلمي، ورفض الاعتقالات، والقتل العشوائي الذي يتعرضون له».
«الاشتراكيين الثوريين»
طالبت الجماعة ببناء «جبهة ثورية موحّدة»

في هذا السياق، رأى الوزير الإخواني السابق عمرو دراج، أن «بيان الاشتراكيين الثوريين خطوة جيدة وجادة وتقرب المسافات بين الطرفين». كذلك، فإن المتحدث السابق باسم حزب «الحرية والعدالة» أحمد رامي، رحّب بـ«العمل المشترك لإنهاء هذه الحقبة، على أساس التعاون على تحقيق أهداف ثورة يناير في الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وذلك بدافع الشراكة الحقيقية فى العمل الثوري، ومن منطلق فهمنا أن الثورة ليست حكراً على أحد، مهما كان حجمه».
في المقابل، طالب محمد سودان، وهو قيادي إخواني موجود في لندن ومحسوب على تيار المحمودات «عزت وحسين وغزلان»، «الاشتراكيين الثوريين» بتصحيح موقفهم من «جريمة الثورة المضادة والتوبة إلى الله»، وذلك لـ«مشاركتهم في كل الجرائم التي حدثت للشرفاء على يد العسكر والقضاء والشرطة».
هكذا، تأتي دعوة «الاشتراكيين الثوريين» لتؤكد الأنباء المتواترة عن قلق عدد من التيارات الشبابية المعارضة للنظام المصري من أن تطالها يد النظام، خصوصاً في حال نجح الأخير في القضاء على «الإخوان» كمصدر تهديد له، مع السماح لهم بحضور محسوب تحت سقف تضييق يفرضه عليهم. ولكن إصرار بعض قيادات الجماعة على بعض المطالب المستحيلة، كعودة محمد مرسي والخطاب الاستعلائي الإخواني، يدفعان هذه التيارات بعيداً عن «الإخوان»، كما يزيدان عزلة الجماعة، وهو أمر تدركه بعض القيادات، فيما تروّج له قيادات أخرى كمظلومية إخوانية.
مصادر في الجماعة داخل مصر تحدثت إلى «الأخبار» عن «نار تحت الرماد» تستعر بين صفوف الجماعة، وعن «هوة تتسع» رغم السيطرة الظاهرية للتيار القديم داخل مكتب الإرشاد وحسم الأمور لجهته. رغم ذلك، تؤكد المصادر أن كثيرين لا يؤمنون بالمسار الحالي للجماعة، وباتوا على يقين بعبثية الاستمرار وحدهم في المواجهة مع الدولة، ما يعني «حتمية التوافق مع القوى الشبابية الأخرى لبناء تكتل عريض مناهض للنظام يستوعب كل القوى المؤثرة»، وذلك «للخروج من حالة العزلة المجتمعية التي تعانيها الجماعة، نتيجة الحملات الإعلامية ضدها، أو نتيجة الأخطاء المتكررة في قراءة الواقع السياسي والتعامل مع معطياته منذ 25 يناير حتى الآن». وهي كلها، كما ترى، لم تؤدّ إلا إلى مزيد من «استفراد النظام بالجماعة وقبول شعبي بالانتهاكات الواسعة ضدها».
أيضاً، أتت هذه الدعوة بعد أيام من تصريحات اعتبرها مراقبون مورطة لجماعة «الإخوان»، خاصة مع اعتراف أشرف عبد الغفار (أحد قيادات الجماعة في الخارج)، بمسؤولية الجماعة عن تفجيرات محطات وأبراج الكهرباء في مصر، باعتبارها «عمليات نوعية» على درجة من السلمية. فعبد الغفار غفل عن وضع أي اعتبار لتضرر المواطنين من هذه التفجيرات، أو كأنها عقاب للمواطنين الذين رضوا بـ«الانتهاكات» ضد الجماعة.
وفي العموم، يصعب التنبّؤ بنتيجة التفاعلات الداخلية بين «الإخوان» وتعاطيهم مع محددات المشهد حتى الآن، وذلك في إطار حرص القواعد والقيادات على الحفاظ على كيان الجماعة وحسم الصراع دون تفكيكها. لكن الخوف من تجاوز الواقع لجماعة «تتحرك ببطء السلحفاة وجسم الفيل» قد يقصيها خارج المشهد السياسي تماماً، مع نجاح السلطات المصرية في توجيه ضربات عنيفة (أمنية واقتصادية واجتماعية وإعلامية) لها، بل ضرب حواضنها وتجفيف منابعها المادية والبشرية.