تونس | أعلنت «الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات في تونس» أمس، أنّ عدد القوائم المترشّحة للانتخابات البلدية المرتقبة في أيار/ماي المقبل، بلغت 2173 قائمة، توزعت على 1099 قائمة حزبية، منها 700 قائمة لـ«النداء والنهضة» (مع العلم أن عدد الأحزاب في تونس يبلغ 210)، و177 قائمة ائتلافية، منها 132 قائمة لائتلاف «الجبهة الشعبية»، فيما تقدّم مستقلون بـ897 قائمة.
لكن حتى تلك القوائم التي أرهق تشكيلها كل الأحزاب، لم تبلغ بعد مرحلة البتّ في صحّتها القانونية واستجابتها لشروط «المحليات» التي يحدّدها القانون الانتخابي، وهو ما ستنظر فيه هيئة الانتخابات في الفترة الممتدّة حتى 2 آذار/مارس المقبل. ومن المتوقع أنّ العديد من الأحزاب خالفت مبدأ التناصف في قوائمها، بما فيها «النهضة والنداء»، وستراسلها الهيئة لتجاوز ذلك الخلل في ظرف 24 ساعة من تاريخ التبليغ، وإلا تُسقَط القائمة.
ولن تنتهي مرحلة الفرز القانوني للقوائم المترشّحة للانتخابات البلدية، بانتهاء دور مجلس هيئة الانتخابات، إذ بعد التثبّت في مدى مطابقة القوائم للشروط الواردة في القانون الانتخابي التونسي وإعلانها النتائج الأولية للقوائم المقبولة في 3 آذار/مارس المقبل، سيُفتَح باب الطعون أمام المحكمة الإدارية ليكون تاريخ 4 نيسان/أفريل يوم التصريح بالقوائم الانتخابية النهائية.
وإذا مثّل تشكيل القوائم وعددها مجالاً للتنافس بين الأحزاب، من خلال محاولة إثبات كل منها لقدرته التأطيرية وإظهار اهتمامه في تفاصيل حياة التونسيين، فسيكون تحدّي «الشرعية الانتخابية والشعبية» مشتركاً بين المتنافسين على مقاعد المجالس البلدية في تونس، في ظلّ ما تؤكّده نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة أنّ ثمة توجّهاً كبيراً نحو عدم المشاركة في الاقتراع. (في كانون الثاني الماضي، توقع استطلاع للرأي أن تصل نسبة عدم المشاركة إلى 61.2 في المئة).
وبصرف النظر عن نسب عدم المشاركة التي تتحدث عنها «مكاتب سبر الآراء» في تونس، إذ إنّها لا تخرج عن دائرة التوقّعات، فجدير بالذكر أنّ نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية الجزئية في دائرة ألمانيا التي أُجريَت نهاية العام الماضي بغية تعويض نائب في البرلمان، شكّلت صدمة لكلّ الأحزاب السياسية لأنّها لم تتجاوز 5.2 في المئة، في دلالة واضحة على انعدام الثقة في الأحزاب السياسية والمنظومة الحزبيّة ككلّ بعد 7 سنوات من سقوط نظام بن علي.

بلغ عدد القوائم المترشّحة للانتخابات البلدية 2173 قائمة

ولعلّ أبرز منتقدي الأحزاب السياسية في تونس لناحية تسبّب «مراهقتها السياسية» في بلوغ مرحلة خطيرة من إنعدام ثقة التونسيين بها وبقدرتها على حلّ مشاكلهم، هو الأمين العام لـ«اتحاد الشغل» المؤثّر في تونس، والذي لا تكاد خطاباته تخلو من توجيه انتقادات لاذعة إلى الأحزاب السياسية، وخاصة أحزاب الحكم (النهضة والنداء). ويرى أمينه العام نور الدين الطبوبي، في الأحزاب مجرّد أدوات يستخدمها أفراد «يتكالبون على الحكم»، وهدفهم لا يتجاوز الكراسي. ويذهب الطبوبي إلى اعتبار حالة التمنع عن المشاركة في الانتخابات البلدية «خطيرة على البلاد، وستؤدّي إلى المحافظة على ذات التوازنات السياسية الحالية»، إذ كلما ارتفعت نسب عدم التصويت لدى التونسيين، زادت حظوظ الأحزاب الكبرى في البقاء في الحكم. وللإشارة، فإنّ «النهضة» تتميّز بانضباط كبير على مستوى قواعدها الانتخابية، فيما يستفيد «النداء» أساساً من شبكات «حزب التجمّع» (حزب الرئيس بن علي وقد حُلّ بعد سقوط نظامه).
وفي مقابل انتقاد رأس المركزية النقابية لمنظومة أحزاب الحكم وعدم قدرتها على إدارتها، لم يطرح «اتحاد الشغل» المتغلغل في كل مناطق البلاد، نفسه بديلاً. كذلك لم يتقدّم بقوائم رسميّة باسمه في الانتخابات البلدية، رغم أن ترشيحه للقوائم كان سيقلب كل المعادلات الانتخابية. ولكنّ «الاتحاد» الذي «احترق بنار السلطة بعد استقلال تونس»، يؤكّد أنه اليوم غير معنيّ مباشرة بالحكم المحلّي أو المركزي، فما يعنيه هو السياسات العامة التي تتّبعها الدولة والحكومات، ومدى استجاباتها «لحاجات الطبقة العاملة».
لكن ذلك الموقف الرسمي لـ«اتحاد الشغل» لم يمنع قياداته على المستويين المحلي والجهوي، من الترشّح بصفة فردية في الانتخابات البلدية، سواء في قوائم مستقلّة أو حزبية، وخاصة أنّ هذه المنظمة تشمل مزيجاً من الانتماءات السياسية والأيديولوجية، تذوب كلّها تقريباً في دائرة العمل النقابي، ولكنّها تظهر خلال مثل هذه الاستحقاقات.