القاهرة ــ الأخبارقبل عام 2009، لم يكن اسم أحمد أبو هشيمة معروفاً على المستوى الإعلامي. كان من بين رجال الأعمال الذين طفوا على السطح في خضم التحوّلات الاقتصادية التي شهدتها مصر في العشرية الأخيرة من حكم حسني مبارك، وكانت نشاطاته متركّزة في مجال صناعة الحديد.
البروز الفعلي لأحمد أبو هشيمة على الساحة الإعلامية، جاء مصحوباً بارتباطه بالفنانة اللبنانية هيفاء وهبي، لتبدأ من هنا رحلة دخوله في شراكات اقتصادية، خاصة بعد «ثورة 25 يناير»، تعامل خلالها ببراغماتية رجل الأعمال، إذ صادق كل الأنظمة المتعاقبة، رغم اختلافاتها الأيديولوجية.

طوال الفترة اللاحقة على «ثورة 25 يناير»، أخذت أنشطة صاحب مصانع «حديد المصريين» تتوسّع، ليس على مستوى حجم الأعمال فحسب، بل على مستوى تعددها، حتى بلغت مستوى الدخول في شراكات واستحواذات في سوق الإعلام والإنتاج الإعلامي، لتبلغ ذروتها خلال العامين الماضيين.
انطلاقاً من ذلك، بات أبو هشيمة النجم الساطع في مجموعة «إعلام المصريين»، التي تضم تحت رايتها أكثر من عشر شركات وصحف ومنصات إعلامية، بالإضافة إلى شراكات بنسب حاكمة في مؤسسات أخرى. وصحيح أنه كان يستحوذ على 60 في المئة من الأسهم منفرداً، لكن باقي المساهمين كانت غالبية أسمائهم مجهولة.
بطبيعة الحال، كان لا بد من أن يؤدي اتساع نشاط أبو هشيمة، وتربّعه على المركز الأول في قطاع الإعلام في مصر، ريبة النظام المصري، وربما غضبه، على النحو الذي يجعل من الضرورة إقصاءه من المشهد. تلك الريبة ليست وليدة اللحظة الآنية، فثمة عوامل ساهمت في تأجيجها، ولعلّ من بينها تصريح سابق لرجل الأعمال البارز بشأن احتمال تفكيره في خوض الانتخابات الرئاسية مستقبلاً، فضلاً عن ظهوره المتكرر والمبالغ فيه بالمناسبات والأماكن العامة، وعلاقات الصداقة التي كوّنها مع رجال الأعمال والمشاهير.
علاوة على ذلك، تمكن أبو هشيمة من بناء شعبية خاصة به في كنف النظام السياسي الحالي، فقد لعب دوراً سياسياً قبل الانتخابات البرلمانية، من خلال تمويل حزب «مستقبل وطن» الداعم للدولة والرئيس عبد الفتاح السيسي، ثم نأى بنفسه نسبياً عن المشهد السياسي، لينطلق في الأعمال الخيرية، ومشاريع تطوير القرى الأكثر فقراً، وهي تحركات أكسبته شعبية إضافية في الشارع المصري.

تمكّن أبو هشيمة من بناء شعبية في كنف النظام السياسي الحالي



لكن ثمة عوامل مالية قد تكون الدولة المصرية قد استفادت منها لاقتناص فرصة إبعاد أبو هشيمة عن المشهد الإعلامي، وهي عدم قدرته على إدارة «إعلام المصريين» بشكل جيّد خلال الآونة الأخيرة. فالمجموعة الإعلامية تكبّدت خسائر كبيرة خلال الأشهر الماضية، وكادت تصل بها إلى درجة الإغلاق، لولا ضخ أموال جديدة لإنقاذها، وهو ما دفع الجهات الممولة إلى إعادة النظر في الطريقة التي تدار فيها تلك الإمبراطورية.
وعلى هذا الأساس، أُعلن فجأةً قبيل منتصف ليل أول من أمس، استحواذ شركة «إيغل كابيتال للاستثمارات المالية» التي تترأس مجلس إدارتها داليا خورشيد، وزيرة الاستثمار السابقة وزوجة محافظ البنك المركزي طارق عامر، على 100 في المئة من أسهم شركة «إعلام المصريين»، ما يعني امتلاكها المجموعة الإعلامية وكياناتها للإنتاج الدرامي والسينمائي.
أما مجلس إدارة المجموعة، فأُسند إلى رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون الأسبق المهندس أسامة الشيخ، الذي تعرض للحبس الاحتياطي على ذمة قضايا فساد بعد «ثورة 25 يناير»، قبل أن يُبرّأ، وسط توقعات بتقليص النفقات بصورة كبيرة خلال الأسابيع المقبلة، ومراجعة أوجه الإنفاق في ظل الخسائر التي حدثت خلال الفترة الماضية.
مراجعة الخسائر لن تكون المهمة الوحيدة للملّاك الجدد لـ«إعلام المصريين»، الذين بالرغم من تجديدهم الثقة مرحلياً بجميع العاملين، إلا أن تغييرات كثيرة يُرجّح أن تطرأ على مقاربتم للمشهد بغضون الفترة المقبلة، وقد تطاول بعض الشخصيات التي أخفقت ليجري إقصاؤها من مناصبها، في مقابل تصعيد قيادات أخرى، قد تكون أكثر ولاءً من القيادات الحالية التي باتت تتعرض للانتقادات الإعلامية أكثر من أي وقت سبق، ليجري إقصاؤهم على غرار أبو هشيمة الذي غادر في صمت.
ما جرى لأبو هشيمة قد يأتي في سياق خطة أوسع لإقصاء رجال الأعمال من المشهد الإعلامي، واستعادة أجهزة الدولة المصرية السيطرة على القنوات الخاصة التي تزايدت بكثرة بعد «ثورة 25 يناير».
هذه الخطة المفترضة يبدو أنها تنفذ بدقة واحتراف، ولم يبقَ على الانتهاء منها سوى اللمسات الأخيرة، فقنوات «الحياة» انتقلت في صفقة لم تسدد أموالها بعد إلى مجموعة «فالكون» التي تتبع لإحدى الجهات الأمنية، وقنوات «سي بي سي» استحوذت على غالبيتها شركة تتبع إحدى الجهات السيادية، أما قنوات «دريم» فاستحوذت عليها مجموعة «دي أم سي» التابعة لإحدى الجهات السيادية أيضاً، فيما لم يبقَ في المشهد الإعلامي سوى قناتين لا تملك أجهزة الدولة المصرية حصصاً فيهما، هما «النهار» التي أوشكت صفقة بيعها على الاكتمال، و«صدى البلد» المملوكة لرجل الأعمال محمد أبو العينين، وهو أحد المدعومين من قبل الأجهزة، ولكنه مطارد بشبح قضايا فساد ومخالفات ضده، وهي مغلقة حتى إشعار آخر، منذ عصر الرئيس الأسبق مبارك.
ويبدو أن السيطرة على الإعلام تأتي في إطار تحرّك استباقي قبل الانتخابات الرئاسية، وتخوفاً من خروج أية وسيلة إعلامية عن النص خلال السباق الانتخابي الذي تعمل أجهزة الدولة المختلفة على تحويله إلى طريق ممهد لتولي الرئيس عبد الفتاح السيسي ولاية ثانية اعتباراً من أيار المقبل ولمدة أربع سنوات، علماً بأن التعليمات في الوقت الحالي هي عدم السماح بوجود أي إساءة إلى السيسي على الشاشات، سواء بمنع عرض التظاهرات أو عدم استضافة الشخصيات التي تنتقد النظام الحاكم بحدة أو تدعم ترشيح أي شخص آخر للرئاسة.
اللافت في صفقة «إعلام المصريين»، ظهور داليا خورشيد في المشهد رئيسةً لمجلس إدارة المجموعة المالكة. الوزيرة التي شهد بعدم قدرتها على التعامل بملفات الوزارة وكثرة خلافاتها الشخصية، باتت المتحكم الأول في أكبر كيان إعلامي مصري خاص، فهل تنجح في مهمتها الجديدة، خاصة أنها نجحت من قبل في شركات خاصة عديدة عملت فيها، أم تكرر إخفاقها في الوزارة التي خرجت منها بعد أشهر قليلة؟