القاهرة | منذ أن أقرّت الحكومة المصرية قانون الاستثمار، ولائحته التنفيذية في 17 آب/ أغسطس، لا يمرّ يوم إلا وتتصدر عناوين الصحف المحلية تصريحات مسؤولين حكوميين، على رأسهم وزيرة الاستثمار، سحر نصر، تشير إلى مذكرات تعاون أو اتفاقات وعقود استثمارية من شأنها ضخ مليارات الجنيهات إلى السوق المصرية.
أبرز الأخبار كانت عودة كبار المستثمرين إلى السوق المصرية بعد هربهم منذ الأزمة الاقتصادية في أعقاب «ثورة يناير» 2011، إذ أعلن رجل الأعمال السعودي، الوليد بن طلال، ضخ استثمارات تتعدى 800 مليون دولار في مشروعات استثمارية في قطاع السياحة بشرم الشيخ والعلمين بالتعاون مع مجموعة طلعت مصطفى والتي تصل استثماراتها إلى ما يقارب 1.8 مليار دولار، بينما أعلن رجلا الأعمال فهد الشوبكشي، وعبد الرحمن الشربتلي، ضخ استثمارات بقيمة 2.150 مليار دولار في مصر، أغلبها في قطاع السياحة والعقارات؛ أيضاً، إعلان رجل الأعمال المصري، ياسين منصور، في أيلول/ سبتمبر، بعد تبرئته من تهم النصب في كانون الثاني/ يناير 2017، عن استثمارات بقيمة 150 مليار جنيه في أحد المشاريع العقارية الضخمة بمدينة 6 أكتوبر.

المشاكل الاقتصادية تحتاج
إلى سياسات نقدية جادة وليست مرهونة بالاستثمارات

من جهة الحكومة، فإنّها تعتبر عودة كبار رجال الأعمال انتصاراً لـ«برنامج الإصلاح الاقتصادي»، والضمانات الواسعة الممنوحة للمستثمرين، إذ تقول وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي، سحر نصر، في حديث إلى «الأخبار»، إنّ كل ذلك يأتي في ظل «امتلاك مصر مزايا ومقومات تؤهلها لتكون مركزاً لجذب الاستثمارات المحلية والعربية والأجنبية، مثل ما تحقق مع الاستقرار الأمني والسياسي، إلا أنّ الحكومة أيضاً تتبنى برامج جادة لتهيئة المناخ الملائم والجاذب لكل الاستثمارات، بدايةً من تطوير الإطار التشريعي والمنظومة المؤسسية وتيسير وتوحيد الإجراءات والقضاء على البيروقراطية، وهو ما انعكس في رفع ثقة المستثمرين في الاقتصاد المصري».
وعن رؤية الحكومة لتوظيف قطاع الاستثمار في الإصلاح الاقتصادي، تقول نصر إنّ «الحكومة تستهدف رفع معدلات نمو من خلال جذب مزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية وتحقيق التنمية المستدامة»، مضيفة: «لدينا رسالة واضحة للمستثمرين، هي أنّ مصر الآن مفتوحة للعمل والاستثمار بعد إزالة العديد من القيود ومنح حوافز وضمانات»، موضحة أنّ «الإصلاح التشريعي لبيئة الاستثمار يُلزم المسؤولين الحكوميين بوقت محدد للرد على المستثمرين، ويضعهم تحت طائلة المساءلة في حالة تعطيل العمل، وهو ما يخلق مزيداً من الثقة في النظام ويسهّل بداية الأعمال التجارية، فالعمل الآن تحت شعار (لا مزيد من التأخيرات غير المنتهية)».
وتوقعت وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي، بلوغ الاستثمارات الخاصة خلال العام المالي 2016/2017، 267 مليار جنيه، أي بزيادة 27 في المئة عن العام السابق، كما ارتفع صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 6.6 مليارات دولار خلال الربع الأول من العام المالي 2016/2017، وتوقعت أن يصل إلى 8.7 بنهاية العام المالي ليرتفع بنسبة 14.5 في المئة عن العام المالي السابق.
وكانت الحكومة المصرية قد أطلقت برنامج موسعاً للإصلاح الاقتصادي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، قائماً على «سياسات مرنة» أهمها تحرير سعر الصرف، ويراهن على تحقيق إصلاحات اقتصادية طموحة من خلال خفض الإنفاق ورفع الضرائب. لكن منذ بداية تنفيذ البرنامج، وبخاصة مع زيادة أسعار الوقود وانخفاض قيمة الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، بلغ التضخم أعلى مستوى في 30 عاماً والذي وصل إلى 35 في المئة، بحسب تقديرات البنك المركزي.
ورغم ما تحتفي به الحكومة من تحسن تصنيف مصر في التقارير الدولية، مثل تقرير التنافسية وبيئة الأعمال الذي أقرّ بارتفاع تصنيف مصر في مؤشرات توفير البنية الأساسية وبيئة الأعمال ومحاربة الفساد وسيادة القانون، باعتبار أنّ هذه التقارير تعكس نجاح البرنامج الاقتصادي، فإنّ الأرقام الرسمية عن حجم الاستثمارات القائمة والمتوقعة لا يمكنه الدفع بمعدل النمو.
يوضح الباحث المتخصص في الشأن الاقتصادي والمستشار الأسبق لوزير الاستثمار، منصور كامل، في حديث إلى «الأخبار»، أنّه «حتى تتمكن الحكومة من تحقيق معدل نمو يبلغ 5 في المئة، أي ضعف معدل النمو السكاني المحدد بـ 2.5 في المئة، لا بد ألا تقل قيمة الاستثمارات عن 10 مليارات دولار سنوياً، بينما توقعات هذا العام تقف عند حدود 8.7 مليارات دولار».
ويرى كامل أنّ «استمرار سياسات الحكومة باتخاذ إجراءات مشجعة للمسثمرين، وفي مقدمها تسوية منازعات الاستثمار القديمة دون اللجوء إلى التحكيم المحلي أو الدولي، سوف يُسهم في استعادة ثقة المستثمرين، وبخاصة من كان لهم مساهمات قوية في الدفع بالاقتصاد المصري قبل 2010»، مستدركاً بأنّ «الدولة قبل 2010 ارتكبت خطأ فادحاً بتشجيع كبار المستثمرين دون ضوابط، إذ أعطت مساحات ضخمة للأراضي بمقابل مادي زهيد لخدمة القطاع الزراعي، إلا أنّها تحولت إلى منتجعات ومشاريع عقارية وسياحية، لذلك يجب أن تكون عودة رجال الأعمال مشروطة بضوابط ومعايير ثابتة تحقق العدالة والشفافية في الاستثمار لضمان جدية التشغيل».
من جهة أخرى، ترى عالية المهدي، أستاذة الاقتصاد والعلوم السياسية في «جامعة القاهرة»، في حديث إلى «الأخبار»، أنّ «توجيه الاستثمارات لخدمة وتحسين الأوضاع الاقتصادية لا يمكن تحقيقه بإقرار قانون الاستثمار أو وضع حوافز وضمانات للمستثمر فقط، إنما يجب إقرار قوانين للتأمينات الاجتماعية والعمل لخلق بيئة عمل متوازنة تضمن حقوق الجميع».
ولا تتوقع المهدي أن تأتي الاستثمارات المعلنة من الحكومة الآن بنتائج سريعة لمصلحة الوضع الاقتصادي المتدهور، مؤكدة أنّ «النتائج ستظهر على المديين المتوسط والطويل إذا ما استطاعت الحكومة الإبقاء على معدلات الزيادة في تدفق الاستثمارات». إلا أنّها تستدرك في الوقت نفسه بأنّ «المشاكل الاقتصادية كالتضخم والركود وزيادة نسب الفقر بحاجة إلى سياسات نقدية جادة من الدولة وليست مرهونة بزيادة حجم الاستثمارات».
ومع انفتاح شهيّة الحكومة للاستثمارات الكبرى، واستهداف كبار رجال الأعمال بشكل خاص وتشجيعهم على العودة إلى السوق وضخ رؤوس أموال ضخمة، يبقى أمام الحكومة تحدٍ كبير وهو تفعيل الرقابة وتوجيه الاستثمارات لخدمة مصالح الدولة وليس المصالح الخاصة للمستثمرين وحدهم حتى لا تعود دائرة المصالح وسيطرة واحتكار رجال الأعمال للسوق مثل ما كان عليه الاقتصاد المصري قبل «يناير» 2011.