بغداد | وصل سليم الحمداني إلى العاصمة العراقية بغداد، بداية شباط الماضي، قادماً من أربيل بعد أن هرب من مدينة الموصل برفقة زوجته الحامل. مغادرة الموصل بعد العاشر من حزيران 2014، أصبحة مستحيلة، بعد منع تنظيم «داعش» المدنيين الخروج منها، إلا بعد إحضار كفيل يتحمل التبعات في حال عدم عودتهم.سليم الذي بقي في بغداد شهر عند أقاربه، دفع مبلغ 2000 دولار أميركي لمقربين من «داعش»، بغية تسهيل عملية الخروج من المدينة دون إحضار الكفيل. كان هدف الهروب من الموصل، إدخال زوجته لأحد المستشفيات للولادة والحصول على شهادة ولادة رسمية لابنه.
قصة الحمداني تلخص معاناة الكثيرين من أهالي الموصل الذين يعيشون ظروفاً إنسانية صعبة بعد عام على احتلال «داعش» لمدينتهم.

خلال العالم الفائت، حدثت آلاف حالات الولادة، لكن جميعها غير موثقة وغير مُسجلة في بيانات الدولة العراقية، بسبب سيطرة «داعش» على جميع مؤسسات الدولة هناك، لذا بقي من ولد بعد العاشر من حزيران 2014، بلا شهادة ولادة، وأكتفى ذووه بتسجيله في سجلات فرضها عليهم أنصار التنظيم.
تقول مصادر طبية من داخل الموصل، لـ«الأخبار»، إن «أكثر من 12 ألف حالة ولادة أجريت في المدينة خلال عشرة أشهر، جميعها لم تُسجل في الدوائر الرسمية للحكومة العراقية، وهناك حالات ولادة أخرى أجريت في المنازل، بالطرق البدائية، ولم يجرِ التعرف إلى عددها».
12 ألف مولود
بلا بيانات في
الموصل

وتضيف أن «مستشفيات الموصل تمنح شهادة ولادة، لكن ليست الشهادات الرسمية التابعة للدولة العراقية، وإنما شهادات عليها شعارات داعش، ولن يُعترف بها بعد تحرير المدينة، وربما لم يبق شيء من السجلات التي دونت فيها بعض حالات الولادة، لأن التنظيم وعناصره هم من يسيطر عليها».

إغلاق دائرة الأحوال المدنية

عندما تمنح المستشفيات لذوي المولود شهادة ولادة مُرسلة إلى دائرة الأحوال المدنية في المحافظة، فإنهم يصطدمون بإغلاق الدائرة، وعدم وجود أي موظف فيها، فضلاً عن الإجراءات الصعبة التي يتخذها تنظيم «داعش» هناك، فهو يُدقق في أسماء المواليد، لمنع تسميتهم بأسماء تتعارض مع «شريعته».
حاول أحد سُكان حي الوحدة في الموصل إصدار هوية أحوال مدنية (بطاقة تعريفية) لمولوده، لكنه فوجئ بإغلاق الدائرة التي هرب أغلب موظفيها خارج المحافظة، ولم تُفتح من قبل التنظيم الذي اكتفى بإصدار شهادات ولادة، لكن لن يكون معترفاً بها مستقبلاً.
لا تقف معاناة الموصليين الصامدين في مدينتهم فقط حيال المواليد الجدد، بل تتعداها إلى مشكلة ضغوط «داعش» على الأهالي عبر الفتيان.
عضو «المرصد العراقي لحقوق الإنسان»، ابراهيم سعد، كشف لـ«الأخبار» أن «تنظيم داعش يمارس ضغوطاً على سكان محافظة نينوى باستخدام الأطفال كدروع بشرية خلال عملياته الإرهابية، وبعضهم لتنفيذ عمليات انتحارية».
وأعطى عضو المرصد، وهو منظمة غير حكومية معنية برصد انتهاكات حقوق الإنسان، مثالاً على ارتكابات «داعش» بحق أطفال الموصل تحديداً. يقول سعد: «بدأ التنظيم في السابع عشر من حزيران 2014 بجمع عشرة أطفال من حي 17 تموز في مدينة الموصل واصطحابهم خلال عملية استطلاعية له في أطراف المدينة، بل تعمد إخراجهم من نوافذ السيارات، لإجبار أي قوة عسكرية على عدم استهدافهم».
ويضيف: «بعد أربعة أيام، كرر التنظيم ما قام به في حي الوحدة، واصحطب أكثر من عشرة أطفال بين سن 10 ـ 15 عاماً لتنضيد أكياس الرمل التي يستخدمها كمتاريس خلال مواجهاته مع القوات الأمنية».
مستشارة وزير حقوق الإنسان العراقي السابق، سحر جبر، كشفت أن «داعش استخدم الأطفال كدروع بشرية لتنفيذ عملياته الإرهابية، وإجبار القوات الأمنية على عدم إطلاق النار عليه حرصاً على حياة الأطفال».
وبيّنت جبر، في حديث لـ«الأخبار»، أن «هناك معلومات وردتها من مكاتب وزارة حقوق الإنسان في محافظة نينوى، تؤكد تفاقم الظاهرة التي قد تسبب فقدان عدد كبير من الأطفال العراقيين».
وفي بيان أصدره قبل أيام، قال «المرصد العراقي لحقوق الإنسان»، إن «التنظيم الإرهابي، سعى بعد ثلاثة أشهر من سيطرته على الموصل إلى ترويج أفكار تكون قريبة من الأطفال، وحاول من خلالها جذب انتباههم إلى العمليات القتالية التي يقوم بها»، مبيّنةً أنه «بعد ذلك اختار الإرهابيون عدداً من أطفال المدينة للانخراط في معسكراته التدريبية».
ويضيف أن «300 طفل يتدربون على أيدي عصابات داعش في مدينة الموصل، الذين وزعوا على أربعة معسكرات في الأحياء السكنية منها»، مشيراً إلى أن «الأطفال الذين يدربون على السلاح والقتال داخل معسكرات الإرهابيين تراوح أعمارهم بين 13 ـ 16 عاماً، حيث عمد إلى اختيار أصحاب القامات الطويلة والأجسام الضخمة».
عضو «مفوضية حقوق الإنسان» في العراق، أثمار الشطري، تقول لـ«الأخبار» إن «الأطفال الذين يجندهم تنظيم داعش الإرهابي، يعدون مصدرَ خطرٍ على المجتمع في المستقبل (بعد عملية التحرير)، حيث هناك توجيهات وتعاليم وتصرفات يقوم بها عناصر التنظيم، تُغير التوجه والسلوك لدى هؤلاء الأطفال». وتضيف الشطري أن «داعش يعمل وفق برنامج معد مسبقاً للأطفال، يبدأ من مرحلة التغيير أو التحول، ثم مرحلة التدريب البدني والتهيئة النفسية، ثم مرحلة التصنيف «الجهادي»». وحذرت من «خطورة الأطفال الذين يتدربون حالياً لدى داعش، مستقبلاً، ما لم تكن هناك خطط لإعادة دمجهم بالمجتمع بشكل طبيعي وإعادة النقاء الذهني لهم».