تونس | توصّل الفرقاء في حزب «نداء تونس» الحاكم إلى حل للأزمة الأخيرة التي كانت تعصف بحزب الرئيس الباجي قائد السبسي، والتي راهنت عليها أطراف كثيرة من خصوم «النداء» السياسيين، أبرزهم حزب المنصف المرزوقي، الرئيس السابق، وشقّ من حركة «النهضة الإسلامية»، رأوا في انفجار الحزب العلماني فرصة مسيلة للعاب، لاسترجاع الأغلبية في البرلمان والحكومة.وشهدت ليلة الثلاثاء الماضي اجتماعاً لبحث سبل التوافق بين أعضاء الهيئة التأسيسية للحزب ممن تولوا مهمات حكومية، والتيار الإصلاحي بقيادة حافظ قائد السبسي، ابن الرئيس، الذي كان من أبرز المعارضين لانضمام «النهضة» إلى الائتلاف الحاكم، بعد الانتخابات.

وتمّ في الاجتماع الاتفاق على انتخاب مكتب سياسي جديد، تحيل عليه الهيئة التأسيسية للحركة كلّ مهماتها القيادية، في انتظار عقد مؤتمر حزبي، وذلك بعد مبادرة نيابية للمّ الشمل، وتجاوز الأزمة، كان قد تقدّم بها أكثر من سبعين نائباً في مجلس نوّاب الشعب عن «نداء تونس».
الاتفاق على انتخاب مكتب سياسي جديد للحركة يتولى كلّ المهمات القيادية

ويذكر أنه منذ تولّي رئيس الحزب الباجي قائد السبسي الحكم، لم يغادر التوتر «نداء تونس» لجملة من الأسباب، كان أوّلها التحالف مع «النهضة» وصولاً إلى الأزمة الأخيرة التي اندلعت منذ ما يزيد على نصف شهر، ووصلت حدّ الحرب الكلامية وتبادل الاتهامات بالانقلاب على هياكل الحزب، وخدمة أجندات «النهضة»، بين الشقين المختلفين، وهما الهيئة التأسيسية والمسار التصحيحي. وكشف النائب صبحي بن فرج لـ«الأخبار» أن المبادرة النيابية لرأب الصدع، التي أُعلن عنها أمس الثلاثاء، تتضمن في بنودها «وقف التصريحات الإعلامية المتشنجة بين مختلف الفرقاء، وإدانة التجاوزات الحاصلة، إضافة إلى العمل على تجاوز الخلافات بإيجاد صيغة للتوافق في عملية انتخاب المكتب السياسي المقبل، لضمان تمثيل الجميع، بإشراك النواب والمنسقين الجهويين، وأعضاء الهيئة التأسيسية»، مضيفاً أن «نواب الحركة مصرّون على ألا تصل الأزمة إلى درجة الانقسام أو الانفجار».
وأوضح، بن فرج، أن «أعضاء الهيئة التأسيسية متشبّثون بأحقيتهم في تسيير الحزب بحكم شرعيتهم القانونية، ولا يُعقل اليوم أن يُقال لهم شكر الله سعيكم، أسّستم، وانتصرتم، واليوم انتهى دوركم، وعليكم تسليم المشعل إلى غيركم»، مضيفاً أن ذلك لا يمنع من التأكيد على أن «الهيئة أصبحت، موضوعياً، غير قادرة على القيام بمهمات تسيير حزب أغلبي حاكم».
وعن مطالب الاصلاحيين، يشير بن فرج إلى أن عناصر التيار الاصلاحي داخل الحركة «يرون أن الهيئة التأسيسية قد ترددت كثيراً، ويدعون إلى أن يتخلّى كل من تحمل مسؤولية في الحكومة، أو في رئاسة الجمهورية، عن مسؤوليته الحزبية، حتى يتولى غيره تسيير الحزب بنجاعة أكبر (مع بقائه في القيادة) لتحقيق نقلة نوعية في عمل الحزب تؤهله لكسب المعارك السياسية المقبلة. ويستشهد الاصلاحيون هنا بفشل الفريق المفاوض على تشكيل الحكومة في تحقيق مصلحة الحزب، ورغبات الناخبين (إقصاء النهضة من الحكم)، وتهميش الكتلة النيابية، ويرغبون في أن يكون المكتب السياسي المقترح أكبر عدداً وتمثيلية، فوراً ودون تأخير».
تجدر الإشارة إلى أن الأيام الماضية شهدت تراشقاً بالتهم بين مختلف أقطاب الصراع، وصلت إلى حدّ اتهام بعضهم لبعض بالتورط في علاقات غير واضحة، سواء مع حركة «النهضة»، أو مع قيادي «فجر ليبيا»، الإسلامي الليبي عبد الحكيم بالحاج، من خلال أحد رجال الأعمال التونسيين، والاستظهار بوثائق تمّ تسريبها من وزارة الداخلية، وهي عبارة عن محضر تنصّت لمكالمة هاتفية، ما جعل وزارة الداخلية تفتح تحقيقاً في الغرض.
مواقف مختلف مكونات «البانوراما السياسية» في تونس، بمن فيها قواعد «نداء تونس» من الأزمة الراهنة، اختلفت باختلاف منطلقاتها الايديولوجية ومصالحها السياسية.
حزب المرزوقي لم يفوت الفرصة لانتقاد «نداء تونس»، إذ قال قيادي حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» (الذي شهد انقساماً بعد شهر من توليه الحكم) طارق الكحلاوي، في تدوينة على صفحته في «فايسبوك»، إن «مصلحة تونس العليا تستدعي تشاور القوى الاجتماعية والديموقراطية والوطنية في إيجاد صيغ تحمي الدولة من صراع الضباع هذا، وتلاعبهم بوسائل الدولة في سبيل هذا الصراع».
أما حركة «النهضة»، ولئن التزم قياديوها الصمت في البداية، فإن صفحاتها على شبكات التواصل الاجتماعي، ووسائل إعلامها، ما فتئت تهلل للصراع الذي كان يعيشه الحزب الأول في البلاد. زعيم الحركة، راشد الغنوشي، شدد خلال ندوة صحافية على أن «الانتقال الديموقراطي في تونس يبقى بحاجة ملحة إلى أحزاب قوية ومتماسكة»، معبّراً عن عدم ارتياح «النهضة» لما سمّاه «الصراعات الجانبية التي تشق «نداء تونس»»، مؤكداً أن حركته ليست طرفاً في الصراع الذي يجري حالياً داخل هذا الحزب، رغم عدم توجيه أي اتهام رسمي للحركة الإخوانية بالضلوع في ما يجري.
ورغم تبرّؤ الغنوشي من علاقة حركته بالصراع، يرى ملاحظون أن «النهضة» هي المستفيد الأكبر مما يجري، لأن انقسام «نداء تونس» سيحدث بالضرورة انقساماً في كتلته النيابية، وستستأثر «النهضة» بالأغلبية في البرلمان، ما قد يمكّنها، مع بعض حلفائها، من سحب الثقة من رئيس الحكومة الحالي. وفي حال صحة هذه الفرضية، سيصبح الرئيس الباجي قائد السبسي مجبراً، بمقتضى الدستور، على تكليف رئيس حكومة ثان، من أكبر كتلة نيابية، وهي «النهضة»، لتعود إلى الحكم، أو تنظيم انتخابات تشريعية ثانية في ظرف أربعة أشهر ونصف الشهر.