رفع الاشتراك إلى 20% تتحمل الدولة 4.5% منهمحمد وهبة
يقبع قسم الضمان الاختياري في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي تحت عجز مالي متراكم على مدى خمس سنوات، أي منذ اليوم الأول لإقراره في أول شباط من عام 2003 بطريقة مستقلة عن حسابات المضمونين العاديين، وبلغ هذا العجز 100 مليار ليرة مستحقة للمستشفيات عن تقديمات الطبابة والاستشفاء للمضمونين الاختياريين، فأدى هذا الأمر إلى امتناع المستشفيات عن استقبال هذه الفئة، بحجّة أن الصندوق لا يدفع المستحقات المتراكمة، كما انسحب قسم كبير من المنتسبين إلى هذا الفرع.

ولادة سياسية

هذه الخلاصة لم تكن وليدة حسابات مالية خاطئة، بل وليدة حسابات سياسية انعكست إصراراً على إقرار هذا المشروع من دون أي دراسة وبعشوائية، مورست خلالها أشكال عديدة من الضغط على مجلس إدارة الضمان، فمشروع الضمان الاختياري أُقرّ عام 2003 بتواطؤ سياسي بين زعماء الطوائف، الساعين إلى التخلص من «مشكلة طارئة» تمثّلت حينها في صرف مئات الموظفين من شركة طيران الشرق الأوسط «الميدل ايست» التي كانت متخمة بالتوظيف السياسي.
وليس ذلك فقط، فقد كان المشروع مخالفاً لقانون الضمان بحسب ما تظهره مناقشات مجلس الإدارة آنذاك، التي تكشف عن وعد شفهي نقله وزير الوصاية عن رئيس مجلس الوزراء حينها يفيد أنه سيجري تأمين كل الواردات الكافية لإنجاحه، بما في ذلك اقتطاع قسم من اعتمادات وزارة الصحة العامة المخصصة لتأمين الرعاية الصحية لغير المضمونين، وهذا ما لم يحدث أبداً. كما تشير بوضوح إلى أن المشروع «هبط على المجلس بمظلة حكومية»، ويجري تحريكه «تحت مشكلة طارئة»... ولهذه الأسباب عارضه بعض ممثلي أرباب العمل والعمال مستغربين «التسرّع» في إقراره خلال جلستين لمجلس الإدارة فقط.
حتى إن الضغوط السياسية انتقلت إلى وزارة المال، ففي البدء اقترح وزير المال آنذاك فؤاد السنيورة، إرجاء إصدار المرسوم الخاص بوضعه موضوع التنفيذ، لأنه غير مبني على دراسة مالية تبين إمكان تحقيق التوازن المالي في هذا الفرع، مبدياًً عدداً من الملاحظات عليه، ومشيراً إلى أن تحقيقه «لا يمكن أن يتم بأي ثمن»، لكنه عدل عن رأيه بعد أربعة أشهر وأحال المرسوم على رئاسة مجلس الوزراء مذيّلاً بتوقيعه، فجرى إقرار هذا الفرع الذي حدد شروط انتساب أربع فئات، الأولى تشمل الذين يقومون بأعمال وخدمات لحساب أزواجهم أو أصولهم وفروعهم، والفئة الثانية هم الذين كانوا منتسبين سابقاً إلى النظام العام في الصندوق، والثالثة تشمل العمال المستقلين غير الزراعيين وغير الأجراء الذين يعملون لحسابهم الخاص، والرابعة هم فئة أصحاب العمل.

انسحاب المنتسبين

وفي النتيجة أصبح المضمون الاختياري وصندوق الضمان يتحملان نتائج هذه المشكلة، فتراجعت الثقة بهذا النظام الصحي، وانسحب المنتسبون إليه ولجأوا إلى الاستشفاء على حساب وزارة الصحة، وبلغت نسبة الانسحاب في منتصف عام 2005 حوالى 29.56 في المئة، غالبيتهم من ذوي الأعمار التي تقل عن 39 سنة من الفئتين الثانية والثالثة بنسبة 76.96 في المئة و79.17 في المئة على التوالي، وهما الفئتان الأكبر في الصندوق، وكانتا تمثلان في حينه 88.76 في المئة.
ويعني هذا الأمر، أن الذين استمروا في الانتساب إلى هذا الفرع كانوا من ذوي الأعمار الكبيرة المحتاجين إلى الرعاية الصحية والاستشفاء، وكانوا يمثلون حوالى 1.14 في المئة، وهؤلاء هم الأعلى كلفة، وأصحاب العمل الذين استقرت نسبة انتسابهم بين 10.10 في المئة في نهاية عام 2005 و10.97 في المئة في منتصف عام 2008. وبذلك يكون عدد المنتسبين قد تراجع من 33641 مضموناً اختيارياً في نهاية عام 2005، وهذه أعلى نسبة مسجلة في الانتساب، إلى 23697 مضموناً اختيارياً في منتصف عام 2008.

كلفة التقديمات

في المقابل كانت كلفة التقديمات للمضمونين الاختياريين مرتفعة قياساً إلى قيمة الاشتراكات، إذ تشير دراسة اكتوارية أعدها الصندوق عن التوازن المالي لهذا الفرع إلى أن متوسط قيمة الاشتراك الحالي على المضمون الاختياري يبلغ 1.136 مليون ليرة سنوياً أو 94 ألف ليرة شهرياً، فيما يبلغ متوسط كلفة التقديمات للمضمون الاختياري الواحد 2.550 مليون ليرة سنوياً أو 212 ألف ليرة شهرياً، وذلك بعد تنزيل مساهمة الدولة بنسبة 25 في المئة من مساهمتها في التقديمات الصحية، وبالتالي يصبح متوسط العجز للمضمون الاختياري الواحد 1.4 مليون ليرة سنوياً، وذلك بعجز إجمالي سنوي يبلغ 31 مليار ليرة سنوياً. ومثّل هذا الأمر مصدر قلق للصندوق، لا لسلطة الوصاية أو للسلطة السياسية على مر السنوات المتعاقبة، بدليل أن الكتب التي رفعتها إدارة الصندوق منذ عام 2005 لم تلق تجاوباً لديهم، فقد أعد المدير العام للصندوق محمد كركي الدراسة الأولى عام 2005 ورفعها إلى مجلس الإدارة الذي وافق بدوره على اقتراح رفع الاشتراكات من 9 في المئة إلى 15 في المئة، لكن المشروع بقي في أدراج وزارة العمل، ولم يبلغ مجلس الوزراء، أي مرحلة القرار.
وتكرر الأمر نفسه بعدما طلب الصندوق من شركة إبراهيم مهنا الاكتوارية إجراء دراسة ثانية في نهاية عام 2005، تشير إلى ضرورة رفع الاشتراكات إلى 14.14 في المئة للمضمونين الاختياريين الأجراء، و12.21 في المئة للمضمونين الاختياريين من أصحاب العمل.
وفي مطلع عام 2008 أظهرت دراسة اكتوارية للصندوق أنه يجب رفع معدل الاشتراكات إلى 16.5 في المئة، لتصبح إيرادات الفرع ضمن المستوى الأدنى من القدرة على تغطية نفقاته، ثم جرى إعداد ملحق للدراسة يشير إلى أن الزيادة التي تغطّي التوازن المالي هي بنسبة 11 في المئة، أي ارتفاع معدل الاشتراك إلى 20 في المئة، لكن بموجب نص المادة 66 من قانون الضمان يمكن توزيع عبء الزيادة على الدولة والمضمونين، فيصبح معدل الاشتراك 15.5 في المئة، على أن تمول الدولة 4.5 في المئة عن كل مضمون اختياري.


4.88 في المئة

هي نسبة أصحاب العمل المنتسبين إلى الضمان الاختياري من العدد الإجمالي لأصحاب العمل المسجل في الصندوق، وذلك بحسب مؤشرات صندوق الضمان، التي تفيد أيضاً أن الفرع لم يمثّل حافزاً لعدد كبير من الأشخاص للانتساب إليه


مساعدة استثنائية لتغطية العجز