دمشق | رغم التوقعات بتجدّد الحملة الصاروخية على العاصمة السورية، بعد تهديدات قائد «جيش الإسلام» زهران علوش، أول من أمس، فقد باغت الموت صباح الدمشقيين. قصف كثيف من مسلحي الغوطة الشرقية أدى إلى استشهاد 11 مواطنين، بينهم أطفال.
تلقت دمشق صدمة الموت الآتي إلى أحيائها من مرابض صواريخ الغوطة الشرقية. وعلى الرغم من تهديدات علوش، عندما أعلن العاصمة بأكملها منطقة عسكرية تحت نيران قذائف مقاتليه، إلا أن حجم خسائر الدمشقيين البشرية بدا مفجعاً. 11 شهيداً، حسب مصادر طبية، سقطوا خلال استهداف معظم أحياء المدينة، بينهم الطفلان غزل الجبولي ووائل حبال، إضافة إلى عشرات الجرحى من المدنيين. صباح دمشق الدموي بدأ مع موعد بدء الدوام الرسمي في المدارس والمؤسسات الحكومية، بعدما تراءى لأهالي دمشق أن تهديدات علوش لن تتحقق بسبب حراجة موقعه العسكري في الغوطة المحاصرة، وفيما طالب معارضون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الدمشقيين بالتظاهر ضد قصف الجيش الغوطة الشرقية، فإن أهالي دمشق انهمكوا في إسعاف جرحاهم ودفن شهدائهم في كل من أحياء المزة والمهاجرين والمالكي والبرامكة والقصاع والمزرعة والعباسيين. كليتا التربية والاقتصاد نالتا حصتيهما من التخريب، أيضاً، بعدما سقطت قذيفتان أوقعتا جرحى بين الطلاب، ونشرتا الرعب. يصف يزن، طالب اقتصاد، الأمر، بقوله: «سقط الصاروخ على أحد المدرجات، فأصاب زميلاً لنا، نقلناه مباشرة إلى المستشفى. لنسمع لاحقاً أن كلية التربية تعرضت للقصف أيضاً. أمرٌ غير مستغرب، فمنذ البداية يغيظهم التزامنا الدوام الجامعي، ويستهدفون مراكز العلم والمدارس». كلام يزن يظهر جلياً بعد حالة الهلع التي انتشرت بين الطلاب، ما أدى إلى إلغاء الامتحانات الجامعية، وتأجيلها إلى وقت يحدد لاحقاً. طلاب المدارس بدورهم التزموا البقاء في الطوابق الأرضية بعد استهداف مدرسة صالح شاطر في ركن الدين، ومدرسة الأندلس الخاصة في البرامكة. آباء هرعوا إلى المدارس لإعادة أبنائهم إلى المنازل.
الجامع الأموي لم يسلم أيضاً من حملة «تحرير دمشق من النظام»، وانضم إلى قائمة الأهداف إثر سقوط ثلاث قذائف متتالية في محيطه، ضمن منطقة المسكية في الشام القديمة، ما أوقع 3 شهداء وعدداً من الجرحى. كذلك سقطت إحدى القذائف على كنيسة الزيتون في باب شرقي، لتضاف إلى قائمة «مراكز النظام العسكرية» التي استهدفها علوش. وتضاف إلى الأهداف الدموية جوامع عدة ومدارس في حي قبر عاتكة والسويقة وباب سريجة.
ومع تجاوز الساعة العاشرة من صباح أمس، أصبحت العاصمة المكتظة أشبه بمدينة أشباح. «جسر الرئيس» فرغ من ازدحامه المعتاد، ولم يسمع فيه سوى صوت فيروز يصدح في أكشاك البيع قرب مراكز انطلاق الحافلات. لا يأبه منصور، بائع التبغ الخمسيني في المنطقة، بكل الصواريخ التي تمطر دمشق، ويقول بلكنة شامية: «هالروح ما بياخدها إلا اللي حطها. واللي كاتبو الله بدو يصير». قليل رزق هذا اليوم. يعلم العم منصور ذلك، إلا أنه اعتاد الخروج إلى العمل، ولم يعتد الخوف والجلوس في المنزل. ويضيف: «هددونا كتير لنعمل إضراب سمّوه إضراب الكرامة. من وين بتجي الكرامة إذا ما اشتغلنا؟ بيجي زهران علوش بيطعمي ولادنا؟ هي عقوبة لأهالي الشام لأنهن ما استجابوا لطلبات المسلحين». ويضيف: «اللي ما حققوه بالأول ما رح يحققوه بالآخر. ما تعبنا ودفعنا بيوتنا وأرزاقنا وأماننا، مشان بالآخر نقول تفضلوا ادخلوها آمنين».
القذائف التي لم تفرق مدنياً عن عسكري أثارت سخطاً إضافياً في الشارع السوري ضد مسلحي الغوطة، إذ سأل خليل، وهو موظف حكومي، عن سبب الحملة الأخيرة على العاصمة، بقوله: «هل لديهم أسباب سوى القتل لأجل القتل؟ لا مانع لديهم من إسقاط دمشق، لهدف وحيد وهو إسقاط النظام. ولأن دمشق لن تسقط، فإن النظام باقٍ». أهالي الحلبوني وشارع الثورة شاركوا في مأساة دمشق، أسوة ببقية المناطق، ما أوقع جرحى إضافيين.
وكان علوش قد نشر على حسابه عبر تويتر، مراكز استهدفها مقاتلو «جيش الإسلام»، ذكر من بينها أفرع عدة للمخابرات السورية، إضافة إلى مقار رئاسة مجلس الوزراء السوري والخارجية وهيئة أركان الجيش السورية و«أهدافاً أُخرى».
الصورايخ العشوائية التي طاولت المدنيين فقط، أجبرت علوش في تغريدة أخرى على «كشفه» عن قصف الجيش السوري «بقذائف هاون من فرع فلسطين، وإدارة أمن الدولة» للأحياء السكنية المكتظة، «وبالذات حي الميدان لتشويه صورة جيش الإسلام، والتغطية على النتائج التي مني بها النظام اليوم». ثم أعلن علوش «حظر التجول في مدينة دمشق وذلك حتى أول قصف من قبل النظام على المدنيين في الغوطة المباركة».