حتى الزفت في لبنان يخضع للاحتكار، إذ إن استيراد هذه المادة وتوزيعها ينحصر بأربع شركات، واحدة منها تخالف القوانين البيئية والصحية في عملية التخزين، وهذا الواقع يرفع الأسعار المحلية 30% عن الأسعار العالمية!
رشا أبو زكي
يطال الاحتكار أو التركّز بحسب دراسة أعدت لمصلحة وزارة الاقتصاد تحت عنوان «المنافسة في الاقتصاد اللبناني» 90 في المئة من سوق المحروقات في لبنان، ومن البنزين إلى المازوت والغاز المنزلي تتعدد الجهات الاحتكارية، ولكنها تلتقي في كارتيل واحد يضم 11 شركة مستوردة للنفط في لبنان... والزفت كذلك يوجد في دائرة المواد الخاضعة للاحتكار، بحيث ينحصر استيراد هذه المادة بأربع شركات مستوردة للنفط، لتكون النتيجة تحكماً بأسعار هذه المادة وحجم استيرادها. وللزفت في لبنان أهمية كبرى، إذ تعدّ الدولة من أكبر زبائن هذه المادة، وبالتالي فإن التلاعب بأسعار الزفت يطال بشكل مباشر الخزينة العامّة، وعلى الرغم من هذا الواقع، لم تعمد الحكومات المتعاقبة على تسعير هذه المادة أسوة بالمازوت والبنزين والغاز وغيرها من المواد الملتهبة، بل بقي مؤشر أسعار الزفت يرتفع وينخفض بحسب إرادة التجار والمستوردين!

مخالفات... والفرق 30 في المئة!

قضية الزفت أصبحت تحت المجهر، والسبب هو ارتفاع أسعار هذه المادة في السوق المحلية 30 في المئة عن الأسعار العالمية الواردة في مؤشر أسعار «بلاتس» لمادة الزفت السائل، ما أثار موجة من الاحتجاجات من جانب المقاولين اللبنانيين، لكونهم متضررين من طريقة احتساب فروق الأسعار المستحقة لهم، وقد أضاء هذا التضرّر على واقعة أن مستوردي الزفت وتجّاره يبيعون مادة الزفت إلى الدولة عبر القطاع الخاص بأسعار تزيد 30 في المئة عن الأسعار العالمية منذ شهر تموز الماضي وحتى الآن، وذلك على الرغم من انخفاض أسعار النفط بشكل جليّ خلال هذه الفترة!
وتفاصيل الفعلة الاحتكارية تثير الاستغراب، إذ إنه لا يوجد في لبنان سوى أربع شركات تحتكر استيراد الزفت وتوزيعه، وهي «الشركة العربية» التابعة لرئيس مجلس إدارة شركة سوليدير ناصر الشماع، وعبد الرزاق الحجة المقرب من رئيس الحكومة فؤاد السنيورة والوزير محمد الصفدي. و«شركة يونيترمنال» التي يملك كويتيون 51 في المئة من أسهمها، و«شركة كوجيكو» المحسوبة على النائب وليد جنبلاط، و«شركة ميدكو» التابعة لمارون شماس. وثلاث من هذه الشركات تمتلك خزانات للزفت في لبنان، فيما الشركة العربية الحاصلة على رخصة خلال الحرب الأهلية اللبنانية، التي تمتلك المخزون الأكبر للزفت في لبنان، لا تمتلك خزاناً، بل تضع الزفت المستورد في حفرة ضخمة في صيدا مخالفة بذلك جميع قوانين الصحة العامة والبيئة، ومخالفة كذلك مواصفات التخزين العالمية، وهي على الرغم من سنوات المخالفة الطويلة لم تعمل على شراء خزان، والسبب بالطبع عدم مطالبتها أو معاقبتها لإنهاء المخالفة لا من جانب وزارة الصحة ولا من وزارة البيئة على مرّ السنوات الماضية!

100 ألف طن سنوياً... والدولة الزبون الأكبر!
وتوضح مصادر «الأخبار» أن لاستيراد الزفت شروطاً خاصة، بحيث تحتاج الشركة المستوردة إلى خزانات خاصة، تعيد تسخين الزفت ليباع سائلاً إلى متعهدين يقومون بدورهم بخلط مادة الزفت مع مواد أخرى لإنتاج الزفت المخصص للطرقات، ليباع بعدها إلى الدولة والقطاع الخاص، والغريب أن الدولة هي الزبون الأكبر للزفت في لبنان، وعلى الرغم من ذلك لم تعمد إلى تسعير الزفت وربطه بالأسعار العالمية ومراقبة أسعار المبيع. وتلفت المعلومات إلى أن حصة الدولة من شراء الزفت تصل في أشهر معينة إلى 75 في المئة من كميات الزفت المستورد الإجمالية، وتوضح أن الطلب على الزفت يكون في أوجه في سبعة أشهر من العام لينخفض خلال فصل الشتاء، وذلك لارتباط حجم الاستيراد بمشاريع التعبيد وتحسين الطرقات التي تقوم بها المؤسسات العامة والبلديات.
وتلفت مصادر أخرى إلى أن خزانات شركة يونيترمنال تتسع لحوالى 5 آلاف طن من الزفت، وكوجيكو 3 آلاف طن وكذلك ميدكو، فيما حفرة الشركة العربية قابلة لتخزين كميات ضخمة من الزفت دفعة واحدة. وتؤكد هذه المصادر أن سعر الخزانات مرتفع، بحيث يصل إلى ملايين الدولارات، وأن تحديد الدولة لأسعار الزفت وربطه بالأسعار العالمية سيؤدي إلى توقف المستوردين عن شراء الزفت حاجة السوق الداخلية، بفعل انخفاض أرباحهم التي تصل إلى 25 في المئة من سعر طن الزفت المستورد. وتشير هذه المصادر الى أن حجم الزفت المستورد يصل إلى 100 ألف طن سنوياً، وترى هذه المصادر أن انحصار استيراد الزفت وتوزيعه بأربع شركات لا يعدّ احتكاراً، إذ إن الدولة لا تمنع استيراد الزفت من أية جهة كانت، بشرط أن تكون الشركة المستوردة تمتلك خزانات، وهو ما لا ينطبق على الشركة العربية.
ويتوافق رئيس تجمع أصحاب شركات النفط بهيج أبو حمزة مع هذا الرأي، معتبراً أنه لا يوجد احتكار لاستيراد الزفت في لبنان، ويشير إلى أن المتعهدين لا يستطيعون البحث عن نقاط الضعف لدى شركات النفط لمحاربتها، وخصوصاً أن المقاولين يستدينون أسعار الزفت لفترات تمتد الى أربعة أشهر أحياناً، وبالتالي لا يستطيعون إجبار مستوردي الزفت على احتساب الأسعار وفق التاريخ الذي يريدون خلاله دفع ديونهم للشركات.