توصية قد ترفع كلفة تمويل احتياجات الدولة
محمد وهبة
رفعت جمعية مصارف لبنان توصية إلى المصارف الأعضاء تقضي بزيادة مستوى الفائدة الفضلى على التسليفات بالدولار 25 نقطة أساس، من 8 في المئة إلى 8.25 في المئة، وذلك بالتزامن مع خفض معدل الفوائد الفضلى على التسليفات بالليرة اللبنانية 50 نقطة أساس، من 10.50 في المئة إلى 10 في المئة. وقد عزت الجمعيّة إصدار هذه التوصية إلى تراجع نسبة الدولرة في الودائع المصرفية، وذلك بسبب انخفاض مستوى السيولة بالعملة الأجنبية، إذ تراجعت نسبة الدولرة في الودائع من 77 في المئة في نهاية 2007 إلى 69 في المئة في نهاية تشرين الثاني 2008، وذلك فضلاً عن السعي إلى تحفيز التسليف بالعملة المحلية.

ديون الدولة

لا شك أن هذا التعليل ليس هو الهدف الأساسي الذي تتوخّاه المصارف من هذه التوصية، فالمعروف أن هناك طلباً متزايداً على السيولة بالدولار في كل العالم في مقابل نقص كبير في تلبية هذا الطلب بسبب تداعيات الأزمة العالمية على الأسواق والمؤسسات المالية في العالم التي تعاني خسائر ضخمة وتترتّب عليها التزامات مالية هائلة لا يمكنها تسديدها، فيما يحتفظ حاملو النقد بالدولار بالكميات التي لديهم خوفاً من ارتدادات مستقبليّة للأزمة تدفعهم قسراً إلى استخدامها في غير المواقع التي يحتاجون إليها... على أي حال تلمّست الجمعيّة الوضع في السوقين العالمية والمحليّة، فأصدرت التوصية بهدف واحد يتمثّل في تمكين المصارف من الحصول على عائد أعلى في عملية إعادة تمويل ديون الدولة بالعملة الأجنبية والبالغة 2.4 مليار دولار عام 2009، علماً بأن الدولة تحتاج إلى سيولة إضافية بالدولار لتمويل شراء المحروقات لمؤسسة كهرباء لبنان.
وفي المقابل شجّعت الجمعية التسليف بالليرة من أجل امتصاص السيولة بالعملة المحلية، وقد عملت سابقاً بهذا الاتجاه وطلبت من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إعفاءها من الاحتياطيّ الإلزامي في عمليات تمويل مشاريع جديدة بالليرة عام 2009.
ومما يعزز هذا الاعتقاد هو أن التوصية، وبحسب مصادر مصرفية مطلعة، ليست موجهة للقروض المخصصة للأفراد، بل للتسليفات الأكبر حجماً، هي في الغالب للشركات والمشاريع الكبرى وللدولة، أي إن هناك إجماعاً من المصارف على زيادة كلفة إقراض الدولة بالعملة الأجنبية عما كانت عليه في السنة الماضية، وذلك عبر الاكتتاب بسندات يوروبوندز سيادية تعمل الدولة على إصدارها حالياً.
لكن بعض المصرفيين، أبلغوا «الأخبار» أن هذه التوصية غير ملزمة، وبالتالي قد لا تلتزم بها بعض المصارف، وخصوصاً تلك التي لا تسهم إسهاماً كبيراً في تمويل ديون الدولة، مشيرين إلى أن هذه الأسعار غير موجودة في السوق، وأن أبرز شروطها هو ملف العميل الذي يجب أن يكون ممتازاً حتى يحصل على قرض بهذه الأسعار، كما أن الالتزام بها يؤدي إلى انعدام التنافس بين المصارف، وفي نهاية الأمر يعود قرار كل مصرف إلى وضعيته الماليّة ومستوى السيولة لديه وتوزّعها بالدولار والليرة ومدى انخراطه في تمويل ديون الدولة وبأي عملة... إلا أن النمط الغالب بين المصارف، ولا سيما الكبيرة منها، هو الالتزام بتوصيات كهذه في وقت لا ضرورة فيه للمخاطرة في تمويل أي مشروع.

مصلحة مشتركة

ويرى الأمين العام لجمعية المصارف مكرم صادر أنه ليس هناك تشدد أو تراخٍ في تسليفات المصارف بالدولار، مشيراً إلى وجود سيولة أكبر بالليرة في السوق المحليّة، وهذا ما تظهره نسبة انخفاض مستوى دولرة الودائع، لكنه يرى أن هناك «مصلحة للمصارف وللاقتصاد الوطني في تشجيع التسليف بالليرة».
ويقول صادر إن سياسات المصارف التسليفية مرتبطة إلى حد كبير بما ستؤول إليه تداعيات الأزمة المالية العالمية، فضلاً عن وجود معطيات إضافية لها تأثيرها في السوق وأبرزها الانتخابات النيابية بعد أشهر قليلة، ويتزامن هذا الأمر مع شبه جمود في زيادة الودائع بالدولار بسبب الأزمة العالميّة، علماً بأن المشاريع الكبيرة التي تحتاج إلى تمويل كبير بالعملة الأجنبية غير موجودة حالياً، فضلاً عن أن تمويل المشاريع الأجنبية يأتي معها من الخارج، وبالتالي تركّز المصارف على تمويل المشاريع المحليّة أو تسهيل احتياجات مشاريع اللبنانيين وتمويلها في الخارج. ويلفت إلى أن هناك تشدداً عموماً في التسليفات المصرفية، نافياً تراجع نسبة السيولة بالدولار في السوق المحلية، إذ لدى المصارف سيولة لتمويل التجارة الخارجية والاستيراد.