هل تعلمت السلطة الفلسطينية من دروس المفاوضات السابقة؟ سؤال لا بد أن يطرح أثناء متابعة الرفض المتكرر للسلطة للعروض المكثفة التي جرى الحديث عنها خلال الأيام الماضية. خطط منها «الصغرى» و«الكبرى»، وأخرى شاملة لوقف جزئي للمفاوضات وتعديل في وضعية المناطق «أ» و«ب» و«ج» المنصوص عليها في اتفاقات أوسلو. عروض كلها، إلى الآن، قوبلت برفض فلسطيني. قد يكون من المبكر القول إن السلطة تعلّمت من دروس الماضي التفاوضي، لكنها على الأقل في طور تطوير آلية تعاطيها مع ما يقدّم إليها، وإلى الآن لا تزال معتصمة بشروطها. شروط لا يجدر أن تقف عند تجميد الاستيطان، بل بضمانات بأن ما يتفق عليه سيكون دائماً
حسام كنفاني
مرة أخرى، أعلنت السلطة الفلسطينية رفض مبادرة التجميد الجزئي للاستيطان، التي وردت معلومات أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو سيطرحها، على أن تكون لعشرة أشهر ولا تشمل القدس المحتلة. رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير، صائب عريقات، تكفّل بإعلان الرفض على اعتبار «أن إعلاناً كهذا ليس وقفاً للاستيطان لأن إسرائيل ستستمر في بناء ثلاثة آلاف وحدة استيطانية في الضفة الغربية وستستمر في المباني الحكومية وتستثني القدس من عملية تجميد الاستيطان».
قد يكون مثل هذا السبب عاديّاً بالنسبة إلى السلطة الفلسطينية، وخصوصاً أنها لم توقف يوماً المفاوضات بسبب الاستيطان. غير أن الجملة التالية لتصريح عريقات قد تكون لبّ المشكلة؛ فالمسؤول الفلسطيني، بعد شكواه من التوسّع الاستيطاني، قال «على حكومة نتنياهو أن تعلن التزامها باستئناف مفاوضات الوضع النهائي من النقطة التي توقفت عندها في كانون الأول عام 2008 إذا أرادت فعلاً استئناف المفاوضات والسلام في المنطقة». مثل هذا التصريح يعكس واقع التخوّف الإسرائيلي الحقيقي من استئناف عملية المفاوضات. تخوّف عنوانه «النقطة الصفر»، التي اعتاد الفلسطينيون الرجوع إليها في المفاوضات مع كل إدارة أميركية جديدة أو مع كل تغيير حكومي في إسرائيل. هذه النقطة هي أساس الرفض الفلسطيني اليوم لأي مبادرات لاستئناف المفاوضات، ولا سيما أن الرئيس محمود عبّاس حدّد خلال زيارته الأخيرة إلى القاهرة النقاط التي تمّ التوصّل إليها في مفاوضاته مع رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إيهود أولمرت. نقاط لخّصها أبو مازن بالتشديد على العودة إلى المرجعيات التي سبق الاتفاق عليها مع الحكومة الإسرائيلية السابقة برئاسة إيهود أولمرت، والتي تشير وفق التحديد الأميركي إلى أن الدولة الفلسطينية تضم قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، و37 كيلومتراً من البحر الميت ونهر الأردن والمنطقة العازلة «الأراضي الحرام»، التي تعرف باسم «نو مان زون».
على هذا الأساس، فإن كل ما يخرج عن المسؤولين الإسرائيليين من خطط تصب في خانة إعادة عقارب التفاوض إلى الوراء، وهو ما لم يعد باستطاعة عبّاس احتماله أو الترويج له في الداخل الفلسطيني، وحتى داخل حركة «فتح»، التي تعيش في الآونة الأخيرة نقاشاً حامياً بين تيّاراتها بشأن جدوى الالتصاق بمواقف السلطة ومعاناة النزف من شعبيتها جراء الخيارات التي يعتمدها محمود عبّاس.
من هذا المنطلق، فمهما تعدّدت الخطط الإسرائيلية أو الأميركية في المرحلة الحالية، لا يرى الفلسطينيون مصلحة في إعادة فتح باب المفاوضات على مصراعيه والعودة إلى البحث في التفاصيل التي سبق الاتفاق عليها. فكل ما عرض ويعرض في الأيام القليلة الماضية، سواء في «الخطة الصغرى»، وعرابها يوسي بيلين، أو «الخطة الكبرى» التي يروّج لها شمعون بيريز وإيهود باراك، أو حتى توسيع رقعة سلطة السلطة الفلسطينية على مناطق «أ» و«ب» وتعديل وضع بعض مناطق «ج»، كل هذه العروض سبق أن قدمت للمفاوضين الفلسطينيين على موائد اللقاءات الكثيرة التي عقدت خلال العقد الماضي. عروض تتمحور حول عناوين ثابتة: دولة فلسطينية مؤقتة وإسرائيل دولة يهودية، مع ما يعني ذلك من إلغاء لبند حق عودة اللاجئين الفلسطينيين. أبرز ما يثير السخرية في الخطط المعروضة حاليّاً هو «الضمانات الأميركية بأن لا تطول فترة مفاوضات المرحلة النهائية أكثر من سنة ونصف أو سنتين». ضمانات ضرورية إذا كانت حقيقية، لكن التجارب السابقة لا بد أنها علّمت الفلسطينيين أن لا شيء دائماً بالنسبة إلى الراعي الأميركي، وكل إدارة في العادة تجبّ ما قبلها.
ربما من الأفضل إجراء إطلالة تاريخية سريعة على مسار المفاوضات والضمانات الأميركية التي أعطيت للفلسطينين وذهبت أدراج الرياح، منذ اتفاق أوسلو إلى اليوم. وفي مسألة الضمانات المطروحة حاليّاً، قد يكون من المفيد طرح السؤال الآتي: ماذا لو امتدت فترة السنتين في المفاوضات التي تريدها إدارة أوباما، ومن المؤكد أنها ستمتد، إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية بعد ثلاثة أعوام إلا قليلاً، وخسر أوباما هذه الانتخابات وجاءت إدارة جديدة إلى البيت الأبيض؟
الجواب عن هذا السؤال موجود في تاريخ المفاوضات، التي مرّت على ثلاثة رؤساء أميركيين، منذ اتفاق أوسلو، الذي تمّ في عهد الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، إلى اليوم. تجارب تثبت أن لا شيء ثابتاً بالنسبة إلى الإدارة الأميركية في عملية التسوية. نهاية عهد كلينتون شهدت مشارف اتفاق نهائي، النقاط العالقة فيه، على أهميتها، كانت قليلة. ومع ذلك، حين أتى جورج بوش الابن، وبعد فترة من تجاهله لعملية التسوية، عاد بالأمور إلى النقطة الصفر، واستحدث ما يسمى «خريطة الطريق»، التي تختلف كثيراً جداً عما تم التوصل إليه في «كامب ديفيد 2» ثم طابا في نهاية ولاية كلينتون.
ورغم ذلك، مضى الفلسطينيون في مفاوضاتهم، وتمكّن محمود عبّاس، باعترافه، من التوصل مع إيهود أولمرت (في أعقاب مؤتمر أنابوليس) إلى شبه اتفاق بالخطوط العريضة للأراضي الفلسطينية والمستوطنات، وحتى بعض أجزاء القدس المحتلة.
ذهب بوش وجاء باراك أوباما، وعدنا إلى النقطة الصفر، والمطلوب التفاوض من جديد على كل شيء: أراضٍ ومستوطنات وحدود وتسلّح، وذلك كله بعد الاعتراف بيهودية الدولة، الذي لم يكن يوماً معروضاً على طاولة المفاوضات.
إلى الآن، السلطة لا تزال ثابتة على الرفض، لكن تماسكها أمام احتمال القبول الأميركي لطرح نتنياهو الجديد، لا يزال غير مضمون.


الحكومة المصغّرة تصدّق على خطة نتنياهو

صدقت الحكومة الإسرائيلية المصغرة للشؤون السياسية والأمنية، أمس، على خطة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لتجميد محدود ومؤقت مدته عشرة أشهر لأعمال البناء في مستوطنات الضفة الغربية باستثناء القدس المحتلة. وحظيت الخطة بموافقة 16 وزيراً، بينهم وزير الخارجية، رئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان.
وفي أول تعليق أميركي رسمي على قرار حكومة دولة الاحتلال، رأت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أن هذا التجميد «خطوة متقدمة للمساهمة في حلّ النزاع الفلسطيني ــ الإسرائيلي».
موقف مشابه أدلى به المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل الذي أشار إلى أن القرار «قد يكون له تأثير إيجابي»، لافتاً إلى أن إدارته «لا تستطيع الاعتراف بشرعية مواصلة الاستيطان». ولم يفت ميتشل التذكير بأن قرار تل أبيب «لا يلبّي مطلب التجميد الكامل للنشاط الاستيطاني».
(أ ف ب، أ ب، الأخبار)