شهدت الحلبة السياسية والإعلامية في إسرائيل أجواءً عاصفة على خلفية الإرباك والحرج الكبيرين اللذين أثارهما توقيت إعلان وزارة الداخلية السماح ببناء 1600 وحدة سكنية جديدة في القدس الشرقية
مهدي السيّد
يبدو واضحاً أن موجة الانتقادات التي وجّهها العديد من المحافل السياسية والإعلامية لإعلان بناء 1600 وحدة سكنية استيطانية جديدة في القدس الشرقية، وكذا حملة التبريرات التي صدرت عن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وكبار الوزراء في حكومته، لم تتطرقا أساساً إلى أصل الموقف من موضوع البناء الاستيطاني في القدس الشرقية، بل انحصرتا في الجانب التقني المتمثل في توقيت الإعلان، مع السعي الحثيث إلى التأكيد أمام الضيف الأميركي على عدم وجود نية مباشرة ومبيّتة لاستهداف زيارته ومكانته.
وتُظهر التسريبات الصادرة عن محافل مقربة من نتنياهو إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية، محاولة الأخير النأي بنفسه عن خطوة الإعلان عن البناء الاستيطاني، بهدف الحد قدر الإمكان من الأضرار الشخصية والسياسية على صعيد العلاقة مع نائب الرئيس الأميركي خصوصاً، ومع الإدارة الأميركية عموماً، ولا سيما في إشارات الغضب التي أطلقها بايدن تجاه نتنياهو، عندما تأخر مع زوجته ساعة عن موعد العشاء الذي أقامه رئيس الوزراء على شرفه في مقره الرسمي في القدس المحتلة، في ما يعدّ «في الأعراف الدبلوماسية عملاً فظّاً»، بحسب «معاريف»، على الرغم من تأكيد نتنياهو لبايدن أنه لم يكن يعلم بأنه سيُعلَن المشروع الاستيطاني، وأن الأمر لم يكن مقصوداً، وأنه حصل جراء خلل تقني، وفق ما ذكرت القناة الأولى في التلفزيون الإسرائيلي.
وفي ضوء الحرج الشديد الذي شعر به نتنياهو أمام بايدن، طلب رئيس الوزراء من وزير الداخلية إيلي يشاي نشر بيان إيضاح. وبالفعل، نشر المستشار الإعلامي ليشاي بياناً أكد فيه أن الأمر يتعلق بـ «مرحلة إجرائية في إطار إجراء طويل، سيستمر زمناً طويلاً آخر». وأكّد أن توقيت صدور البيان كان مقرراً مسبّقاً، وليس له أي صلة بزيارة بايدن.
ومع ذلك، دافع يشاي عن تصديقه على قرار البناء الاستيطاني، لكنه قال إنه لم يكن ينبغي إقرار المشروع الاستيطاني خلال زيارة بايدن. وقال يشاي، في مقابلة أجرتها معه إذاعة الجيش الإسرائيلي، إن تصديق المشروع الاستيطاني الجديد «هو تصديق تقني فقط ولا توجد أيّ نية لدينا للمسّ بنائب الرئيس (بايدن) أو لاستفزازه».
بدوره، عبّر وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك عن استيائه من إعلان البناء الاستيطاني، كما جاء في بيان صادر عن مكتبه.
وجاء في البيان أن «أوساط وزير الدفاع ايهود باراك تعبّر عن غضبها بعد الإعلان غير الضروري عن هذا المشروع الذي يعرقل مفاوضات السلام مع الفلسطينيين، وهي مفاوضات لإسرائيل مصلحة كبرى فيها». وأضاف البيان إن «مصادر في وزارة الدفاع أكدت أن إسرائيل تتحرك وتحركت منذ أشهر طويلة لخلق الثقة بين الطرفين، لكي يمكن بدء هذه المفاوضات، وسيكون من الحكمة أخذها بالاعتبار».
وقال وزير الرفاه الإسرائيلي إسحق هرتسوغ، لإذاعة الجيش الإسرائيلي، «ما كان يجب أن يحدث ذلك أثناء زيارة نائب الرئيس الأميركي. هذا إحراج حقيقي، والآن يتعين علينا تقديم اعتذارنا عن هذا الخطأ».
ونقلت صحيفة «معاريف» عن محافل سياسية رفيعة المستوى في إسرائيل إشارتها إلى أنه كان ينبغي «إبداء قدر أكبر من الحساسية، وعدم تقرير البناء بالذات في أثناء زيارة نائب الرئيس الأميركي إلى إسرائيل، وعشية استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين». بل وأشارت هذه المصادر إلى أنه «ستُستخلص الدروس من أجل الامتناع عن حرج مشابه في المستقبل».
وأشار مصدر سياسي رفيع المستوى إلى أن «موقف رئيس الوزراء هو أنه من ناحية البناء، لا فرق بين تل أبيب، القدس أو كفار سابا. ولكن في النقطة التي يعرف فيها بأنه يوجد خلاف بيننا وبين أصدقائنا الأميركيين، من المهم لرئيس الوزراء أن تكون زيارة نائب الرئيس ناجحة، وألّا تترافق والخلافات ـــــ وعليه، فمن الأفضل لو أن القرار لم يُتخذ».
في موازاة ذلك، انتقد العديد من المعلقين في الصحف الإسرائيلية حكومة نتنياهو واتهموها بـ«تقويض» العلاقات مع «الحليف الأميركي» بعد إعطاء الضوء الأخضر لمشاريع استيطانية.
وقال شمعون شيفر في «يديعوت أحرونوت» إنّ ما حصل «بصقة في وجه بايدن». وأضاف إنّ «نتنياهو عاجز عن إجراء حوار حقيقي مع الأميركيين. وأتى بايدن ليعرب عن دعمه لإسرائيل حيال إيران، وجرى تقويض زيارته».
وقالت «يديعوت أحرونوت» إنّ «الإهمال والاستخفاف يبرّران سبب بروز أزمة خطيرة أحرجت رئيس الحكومة، وقوّضت زيارة جو بايدن». من جهته، رأى إيلي بردنشتاين، في صحيفة «معاريف»، أن «حكومة إسرائيل لا تتعلم درساً، ويبدو أنها تجتهد لإحراج الأميركيين المرة تلو الأخرى».
وأشار المحلل السياسي في «معاريف»، بن كاسبيت، إلى أن بايدن وصل إلى إسرائيل «كي يحاول ترميم الكيمياء بين البيت الأبيض وإسرائيل، وتبديد الشبهات، وخلق نوع من شبكة العلاقات، وربما بداية جديدة. فماذا حصل؟ فقدناه هو أيضاً».
وفي «هآرتس»، كتب المحلل الساسي عكيفا ألدار مقالة تحت عنوان «إهانة بايدن: نتنياهو يفقد السيطرة على القدس»، رأى فيها أن ما حصل مثّل «صفعة مدوّية لنائب الرئيس الأميركي جو بايدن». وأضاف إنّ «نتنياهو أجبر البيت الأبيض على اتباع أحد الخيارين: تقديم الخدّ الآخر لصفعة أخرى، وبذلك خسارة الفلسطينيين نهائياً خدمةً لـ(الرئيس الإيراني محمود) أحمدي نجاد، أو الرد بصفعة لنتنياهو. واشنطن اختارت الخيار الثاني».