3 سنترالات فقط تؤمن التخابر لأكثر من 12 ألفاً من أبناء مخيم عين الحلوة. من دون هذه السنترالات، لن يستطيع هؤلاء السكان التواصل مع أقربائهم، في ظل حظر دخول شركة «أوجيرو»، إلى المخيمات. أما حجة هذا الحظر، فهي عدم حيازة أهل المخيم مستندات قانونية تتعلق بالتصريح عن عقاراتهم
سوزان هاشم
عبثاً، تحاول مريم حمود التواصل مع والدتها أم عيسى القاطنة في مخيم عين الحلوة. عشر محاولات من دون جدوى. وفي كل مرة، تعيد «الكرّة» على أرقام السنترالات الثلاثة الموجودة في المخيم، يأتيها الجواب «رنّة موسيقية» تنذر بأن الخط مشغول. بدأ الغضب يعتريها بسبب تعذر الاتصالات، ولكن لا حلّ أمامها إلا التوجه من مكان إقامتها في صور إلى عين الحلوة للاطمئنان إلى صحة والدتها، بعد الوعكة الصحية التي ألمّت بها. هكذا، حملت السيدة طفلها وقصدت والدتها حيث تقطن. تقول، وعلامات الغضب بدأت تظهر جلية على ملامح وجهها: «حتى التلفون ممنوع بالمخيم، بعد ناقص يمنعوا الهوا عنّا كمان».
ليست ما تعانيه السيدة أزمة فردية، إذ يتعذر في كثير من الأحيان الاتصال بالقاطنين في عين الحلوة، بسبب حظر دخول شركة «أوجيرو» للخطوط الهاتفية الثابتة إلى المخيمات، بحجة عدم حيازة أهلها المستندات القانونية المتعلقة بالتصريح عن العقارات. إذاً، هي مشكلة 12 ألف مواطن يقطنون عين الحلوة، ومشكلة أقرباء يعيشون خارج المخيم ولا قدرة لهم على التواصل مع من في الداخل. وخطوط شبكة الهاتف الثابتة القليلة التي سمحت بها وزارة الاتصالات اللبنانية للسنترالات الثلاثة داخل المخيم لا طاقة لها على استيعاب هذا القدر من الاتصالات. وما يزيد الطين بلة أن هذه السنترالات «تشهد ضغطاً كثيفاً عليها في أوقات المناسبات وإعلان نتائج الشهايد الرسمية»، يقول بلال أبو عيد صاحب سنترال المحبة. ويضيف «هذا الضغط شبه دائم داخل المخيم، وخصوصاً أنها ثلاثة سنترالات فقط لمخيم يفوق عدد ساكنيه 12 ألفاً».
قبل عام 1993، كان مخيم عين الحلوة أشبه بجزيرة مقطوعة، لا وجود فيه لخط هاتفي ثابت واحد، لكن محاولات بعض الأشخاص «وضع فكرة السنترالات على السكّة». وفي هذا الإطار، يشير أبو عيد، صاحب أحد السنترالات، إلى أن «السنترالات دخلت المخيم عام 1993 بفعل محاولاتنا الحثيثة العمل على تأمين بعض الخطوط الثابنة». أما قبل هذا التاريخ، «فقد كان الاتصال يتم عبر خطوط قبرصية»، يضيف أبو عيد.
«لولا بركة السنترالات لكان تواصلنا معزولاً مع الخارج»، يقول فادي الأساوي. ويتابع «صحيح أن الهاتف الخلوي قد حل جزءاً من مشكلة التخابر، بيد أن خدمة إرساله تعيسة جداً في المخيم، حتى أنها معدومة في الكثير من الأزقة والأماكن كما أن خدمته أكثر كلفة من التلفون العادي بأضعاف». وفي هذا الإطار، يعلّق فؤاد عثمان، عضو لجان حق العودة في مخيم عين الحلوة، بالقول: «توفير خطوط ثابتة لأهل المخيم يدرّ الملايين على الدولة نظراً لكثرة الراغبين في الاشتراك، هذا من جهة، أما من جهة أخرى، فهو يوفر الكثير من الكلفة على اللاجئين المشتركين عبر السنترالات، كما يؤمن التواصل مع الأقارب والأصحاب مباشرة وسريعاً وبسهولة وفي أي وقت كان».
قبل دخول السنترالات إلى المخيم كان الاتصال يتم عبر خطوط قبرصية
وهنا، يرى عضو اللجان الشعبية أبو المعتصم أن «منع دخول الخط الثابت إلى المخيّمات الذي يعيق تواصل الأقارب بعضهم مع بعض، يأتي في جملة الممنوعات المفروضة على الشعب الفلسطيني في لبنان»، بحيث إن تحقيق هذا المطلب «لا يكون إلا من ضمن آلية كاملة متكاملة من أجل إقرار الحقوق الإنسانية والمدنية للشعب الفلسطيني، وخصوصاً أن هيئة أوجيرو تفرض على المشترك حيازة تصاريح عقارية». وهذا ما يبدو مستحيلاً بالنسبة لأهالي مخيم عين الحلوة، «فهذه الأرض مستأجرة من وكالة الأونروا لمدة تسعين عاماً وبالتالي لا عقارات مفرزة أصلاً، ولا أرقام للعقارات، في الداخل». وهنا، يبدي أبو المعتصم قلقه مما قد يصدر عن المجلس النيابي في ما يخص إقرار الحقوق المدنية الفلسطينية أو عدمه، ويضيف «هذا القرار سينسحب على استمرار منع مدّ شبكة أوجيرو إلى داخل المخيم أو عدمه».
لا خطوط هاتفية إلى الآن، لكن أبناء المخيم لا يمكنهم التغاضي عن هذا الأمر، فقد وجدوا وسيلة فعالة للتواصل بأقل كلفة ممكنة، من خلال استخدام الخط الداخلي أو ما يعرف بـ«الأنترفون»، وذلك عن طريق بدل اشتراك يدفع للسنترالات: 15 ألف ليرة لبنانية شهرياً. ويعتبر هذا الخط بمثابة «فشة خلق» بالنسبة لأهالي المخيم القادرين طبعاً على دفع هذا المبلغ، إذ إن البعض، على حدّ تعبير عثمان، «يفضل أن يشتري 15 ربطة خبز عوضاً عن دفع بدل الاشتراك».
إن كان الأمر محلولاً داخلياً، إلا أن مجرد التفكير بالتواصل مع الأقارب في فلسطين المحتلة هو المستحيل بحدّ ذاته. وفي هذا الإطار، يشير سميح عزام، أحد سكان عين الحلوة، إلى أن «هذا الاتصال يعتبر مغامرة عبر هواتف سنترالات المخيم الثابتة». والسبب؟ إضافة إلى تعذر الاتصالات مع الخارج «فثمة شبهة بالتعامل مع إسرائيل تلاحقنا»، يضيف عزام. هكذا، لا يجد بعض شبان المخيم سوى استبدال الهاتف بالتواصل عبر «الإنترنت». لكن، حتى هذه «النعمة» محدودة في المخيم، إذ يقول عزام إن «هذه الوسيلة محصورة فقط داخل مقاهي الإنترنت، وفي منازل بعض اللاجئين الميسورين، بيد أن الخدمة بطيئة جداً، وهي رهن بتوافر التيار الكهربائي في المخيم».


يبرر مصدر داخل شركة «أوجيرو» قرار منع دخول شبكة الهاتف الثابت إلى المخيم. ويشير إلى أن «الشركة تشترط، لتأمين خطوط لزبائنها، حيازة مستندات تبرز فيها رقم العقار وسند الملكية أو عقد الإيجار، إضافة إلى إفادة سكن». وجميع هذه المستندات يتعذر حصول أبناء المخيمات عليها «الذين يعيشون في مخيماتهم على أرض مستأجرة من وكالة الأونروا». ولكن ماذا لو أُعفي أهل المخيم من تلك الشروط؟ يجيب المصدر عينه بأن «الإعفاء يتطلب قراراً من المراجع العليا، أي من مجلس الوزراء أو وزارة الاتصالات على الأقل».