قاسم س. قاسم
«إحلق يا حلاق بالموس الذهبية، تمهل يا حلاق لتيجي الأهلية، إحلق يا حلاق ومسح بشاشاتو، تمهل يا حلاق ليجوا عماتو». لكن الحلاق، برغم سماعه إنشاد «رديات» أهل العريس أول من أمس في مخيم برج البراجنة، لم ينتظر أحداً: لا العمّات ولا حتى «الأهلية» ليحلق لـ«عريس الزين»، محمد علي الشولي، الذي كان هنا لأن مركز الشيخوخة النشطة اختاره وعروسه لإحياء تقاليد العرس الفلسطيني، كشرط لمساعدتهما في مصاريف العرس. هكذا ترك الحلاق ليديه وللموسى الذهبية حرية «القش» والتنعيم، لأنه يعرف أن العمّات في «الردية» لن يحضرن، فهن كنّ في هذا الوقت في منزل العروس، نيفين سعد قزّة، يحنّين يديها كما كان يحصل في أرض الوطن أيام الهنا.
نترك العريس مشغولاً بحلاقته، ونتجه إلى منزل العروس. صوت الزغاريد تعلمك أنك اقتربت من وجهتك. في منزل العروس جلست النسوة بثيابهن التراثية المطرزة في صحن الدار، رقصن وهن يتناقلن صينية الحنّة المزينة بالورد، ودرن بها فوق رؤوس الحضور، مرددات أهازيجهن التراثية: «أويها، بحنة مكة جيت أحنّيكي، أيويها، يا بدر ضاوي ولحلى كلو ليكي، أيويها، ما بتلبق الحنة إلا لأيديكي/ أويها، يا زينة العرايس لمحمد أوديكي». بعد الطواف بصحن الحنة على الحضور تجلس العروس، تفتح كفّيها وتضع إحدى السيدات الحنة على باطنهما ثم تضب العروس كفيها. مسنّات المخيم بثيابهن المطرزة كن يراقبن ويوجهن، وكن بحسب كل مرحلة تصل إليها الحنّاء يرددن الأهازيج الخاصة بتلك المرحلة. فبعد لف يدي العروس بالمناديل لكي تفعل الحنة فعلها، رددن: «سبّل عيونو ومد إيدو يحنّولو، غزال زغيّر بالمنديل لفولو».
انتظر الجميع أن تأخذ الحنة مفعولها. في الانتظار يتبدل نمط الأهازيج، إذ تبدأ والدتها بترداد «أويها، صبر قلبي وما قصّر، أويها، وانقطع حبل الجفا بعد ما تغير، أويها، افرحولي يا جيراني وخلاني، أويها، وأنا ع هاليوم بتحسر». ببساطة تعرف والدة العروس أن الوقت قد اقترب لتفارقها ابنتها، وأن أهل العريس سيأتون بعد دقائق لأخذها والانتقال بها رسمياً إلى القفص الذهبي. تستأذن العروس من الحضور تلحقها بعض النسوة لتجهيزها. تمر الدقائق سريعاً، شُغلت بعض النسوة بتجهيز العروس، بينما كانت الأخريات بانتظار وصول أهل العريس. لحظات وتصل إلى مسامع الحضور «زلغوطة»، تعلن وصولهم. يرد الحضور برشّ الملبس والسكاكر على القادمين مرددين: «يا ميت هلا، بلّي أجوا ديرتنا، صرتوا منا، نتشرف بعزوتنا». هكذا، تخرج العروس من غرفتها، تقف بفستانها الأبيض التراثي على عتبة باب منزلها. يمسك والدها يدها ويسير بها في الأزقة الداخلية للمخيم لتسليمها لعريسها. في أزقة المخيم، وعلى طول الطريق المؤدية إلى مركز الشيخوخة النشطة، أطل أبناء المخيم من شبابيك منازلهم المتلاصقة ليرشّوا الأرزّ على العروس.
عندما تصل إلى باب المركز، يبدأ الجميع إعداد عجينتها التي ستلصقها على باب الدار ليروا «إذا رح تلصق عجينتها بعجينته، وإذا كان فألهم (حظّهم) حلو» كما تقول إحدى السيدات. وما إن تلصق العروس عجينتها، حتى يصرخ رفاق العريس الذين مشوا خلفه في أزقة المخيم ليلصق عجينته فوق عجينة عروسه. يحبس الجميع أنفاسهم، يضع العريس العجينة ويلصقها بقوة، فتعلق. إذاً هو فأل خير. العريس هو الآخر ارتدى الملابس التراثية من «الكوفية والعقال والشروال»، انتظر دخول عروسه إلى المركز بعد إعطائها «خلعة الدار». قبل دخوله المركز، وكما قضت العادات، شرب العريس ثلاث رشفات ماء «كرمال الصدمة» كما يقول أحدهم ممازحاً. في الداخل، بدأت عملية «التجلي» للعروس، إذ أزاح العريس البرقع عن وجه عروسه وقبّلها على جبينها. حملت العروس شمعتان، وسارت بهما أمام أهل العريس والحضور. هكذا، بعد «تجلية» العروس (ظهورها على الحاضرين) دبك الجميع على وقع أغنية «يا ظريف الطول ارسم يا رسّام، صورة لفلسطين، صورة لقسّام» وأغنية «ميلي علينا يا غصن البلح ميلي».
قضت العادات أن يشرب العريس ثلاث رشفات ماء «كرمال الصدمة»
تتميز الأعراس الفلسطينية بأغانيها الشعبية التي ينظمها ويلحنها شعراء القرية أو المدينة، والتي تعكس الحالة النفسية لأهلها والعادات والتقاليد الاجتماعية فيها. وكانت الثياب التراثية التي ترتديها السيدات الفلسطينيات تختلف من قرية إلى أخرى، وذلك بحسب مناخ القرية وطبيعتها. فإذا كانت القرية جبلية، كانت الألوان الداكنة تطغى على الملابس، وإذا كانت القرية ساحلية، كانت الألوان الفاتحة هي الطاغية. كذلك امتازت الأثواب التراثية الفلسطينية بأكمامها الطويلة وضيقها عند الخصر وكثرة التطريزات والنقوش على الأكمام والصدر.