فلسفة هندسيّة
أنهار يا خيتا. سلامة قلبك يا غالية. خبروني يا خيتا انك مريضة! فزعت عليكي. بس طمنوني انها نزلة برد خفيفة. ايش القصة؟ امبلش الشتا بكير عندكم في الجليل؟ مش عارف أميز بين الطقس ببيروت والطقس بالجليل. بتذكري الشتوية الماضية؟ طلبت منك بعز البرد تفتحتي الشباك وتسلمي على الغالية؟ كنت ناسي انو الجليل جبل؟ وبرد الجبل قاسي. سامحيني يا خيتا. حاسس انك مرضتي بسببي. يمكن البرد تخبى كل هالوقت وهسع طلعلك. ايش فيني اعملك؟ ما بعرف اذا في اشي ناقص بالجليل وموجود ببيروت. اصلا بيروت فيها كتير اشياء ناقصة. بس اهم الاشياء اللي ناقصتها: الذاكرة يا خيتا. وزي ما أنت عارفة يلي بيفقد الذاكرة بتصير عندو الاشيا مش مفهومة. يعني اخونا الصحافي يلي بكل مقالة بدو يذم بأبو عمار. اخينا مع الثورة وبيمدح بمحمود درويش. وناسي انو محمود درويش كان يمدح بأبو عمار. مش عارف ليش بيتذكروا اخطاء الزلمة وبيتذكروش اشيا منيحة عاملها. بتعرفي؟ الأسبوع الماضي مرقت مع صاحبي من منطقة الفاكهاني. المنطقة كانت مقر لمنظمة التحرير اياما بو عمار. اول ما وصلنا لهناك قلت لصاحبي «اهلا بك في جمهورية الفاكهاني» وضحكنا. بعد شويه، وصلنا على شارع زغير. هادا الشارع قصتو قصة: تخيلي انو ما شاف الزفت غير ايام ابو عمار. قال ليش؟ في ناس بتحكي انو الطريق ملكية خاصة، وناس بتقول انو هادا الشارع بين بلدية بيروت والغبيري فضايع بين الأتنين، هادول بيقولو مش مسؤوليتنا وهادول بيقولو مش مسؤليتنا. خبرت صاحبي القصة. وطلعت براسنا فكرة انو نستولي على الشارع نزفتو ونعلن عليه جمهورية الفاكهاني (جكارة بيللي مش شايفين من الثورة غير اخطائها). حاولنا نحسب المسافة وتكلفة تزفيت الشارع ما عرفناش. ذكرني صاحبي بتصريح واحد صهيوني بعد جولة مفاوضات مع الختيار. حكي الصهيوني وقتها وقال «لقد خضنا اصعب مفاوضات فعرفات مهندس بنى الكويت وجنرال ربح حرب بيروت». حكالي صاحبي انو لو كان ابو عمار عايش كان عرف حسبلنا ايها مظبوط. كان هندسها وطلع بمبادرة زي العادة. كان قال انو هيدي الطريقة هيي سبب التواصل السيئ بين اللبنانيين يلي عايشيين ببيروت واللبنانيين يلي عايشين في الغبيري. يللا زي ما حكيتلك في كتير اشياء مش مفهومة هون. على كل حال تصبحي على خير . ولمّا توعي الصبح إذا كنتي احسن وكان الطقس دافي، افتحي الشباك وسلمي على الغالية يا غالية. سلمي لي على فلسطين.
مخيم شاتيلا ــــ علاء الزعتر

■ ■ ■

عَ الماشي

خيا علاء الله يسلمك، كانت مرضة ع الماشي، التهاب باللوزتين وقعدت بالفراش كام يوم. السبب ما كان الشتا، انما المكيفات اللي بيدوروها داخل البيت لدرجة الصقيع، وبرا البيت الجو حار كثير وجاف، ونحنا فايتين طالعين، يعني؟ بين جوا وبرا اكيد رح تمرض. بس الحمدلله، مَرّت ع خير يا خيا، فما تخاف عليّ، صبرنا على الوضع اللي عايشينه، ما بدنا نصبر على مرضة صغيرة؟ بسيطة.
الشتوية الماضية، كانت اول مرة بيصير عندي التهاب باللوزتين. على الأرجح لأني كنت عم امشي بشوارع حيفا تحت المطر. وبعدها قعدت بالفراش حوالي اسبوع بسبب المرض. بس بيني وبينك؟ كانت تستاهل انك تمشي تحت الشتا، وبحيفا. ما بتذكر شو كان السبب اللي خلاني امشي تحت الشتا، بس بتذكر اني كنت معصّبة من شي... وكنت عم غني مقطع من اغنية «يمه مويل الهوا» اللي بيقول فيه: «ومشيت تحت الشتا والشتا رواني /والصيف لما اتى ولّع من نيراني». يومها كانت اول مرة بمرض متل هيك وبقعد بالفراش، مع انه ما كانت اول مرة بمشي تحت الشتا، لهيك عرفت انه غير هوا الجليل ما بيناسبني. ما بقدر اقنع حالي بشي غير انه الجليل بيسكّني اكتر ما انا بسكنو!
بس بتعرف شي؟ مع انه اخلاصي للجليل، وبقدر قول تقديسي له بيفوق كل شي، بس حيفا ... ما بعرف كيف بدي أقولك؟ كمان بيضل فيها اشي مميز. يعني شوف، مجرد انك تلفظ اسمها: «حيفا»، بتحس هالشي المميز. وعلى فكرة، حيفا بعدها ما نسيت اصلها، وما فقدت ذاكرتها، مع انهم بيحاولوا يخفوا ماضيها ويطمسوا كل ذكرياتها. بس البيوت بحيفا لسه بتشهد على يللي سكنوها زمان. والناس بعمرهم ما بينسوا: المساجد والكنائس، وحتى الشوارع، ما بينسوا وما بيخلوا حدا ينسى.
بتعرف هالمرضة اللي مرضتها؟ والله نستني: شو اخبار المفاوضات المباشرة اللي عم بتصير بين نتنياهو وابو مازن؟ قولتك راح يوصلوا لشي بالآخر؟ ولا بتفكر انو كل الموضوع مش اكثر من انهم بيدقوا مي ؟ بتعرف؟ صحيح عم أسأل، بس ما عاد كتير يهمني شو راح يقرروا هادول السادة، لانه الاهم هو شو الناس بتقرر بالاخر!
الجليل الصامد منذ الأبد ـــــ أنهار حجازي