تشهد كواليس صناعة القرار في بغداد ما يمكن تسميته مفاوضات «اللحظة الأخيرة»، استعداداً للإعلان اليوم عن تشكيلة حكومية غير مكتملة، تضمن نيل الثقة في البرلمان، وفي الوقت نفسه تؤمن الأرضية لإنضاج اتفاق على الأسماء داخل كل كتلة على حدة، يؤدي إلى استكمال الائتلاف الحكومي.
لكن، رغم انشغال الجميع في هذه المماحكة التفاوضية، إلا أنّ الأسئلة الكبرى تبدو أنها تثقل كاهل البعض في عاصمة الرشيد، وبينها: هل بإمكان هذه الحكومة النجاح، في ظل كل التصدعات التي أصابتها، وكل التناقضات التي تعتمل داخلها؟ وماذا ستكون عليه الحال في حال مرور الأشهر الستة الأولى من عمر هذه الحكومة من دون أن تتحرك عجلة الدولة والاقتصاد؟
أوساط نوري المالكي تؤكد أن «الاتفاق على توزيع الحصص قد أُنجز، لكن المشكلة لا تزال في بعض الأسماء المطروحة لتولي وزارات»، مشيرة إلى أن «بعض الأطراف، وخاصة من ضمن القائمة العراقية، تحاول لعب أوراقها الأخيرة، مستغلة قرب انتهاء المهملة الدستورية لإعلان الحكومة. هي تعمل على طرح أسماء مرفوضة من المالكي، كأن تكون مشمولة باجتثاث البعث، على أمل أن يقبل بها مضطراً، وهو ما لن يحصل».
وتكشف الأوساط نفسها عن أن المالكي «سيعلن غداً (الاثنين) تشكيلة حكومية غير مكتملة، يتولى فيها إضافة إلى منصبه، جميع المناصب الأخرى المختلف عليها بالوكالة، على أن يعيدها إلى الكتل التي جرى التوافق على أن تكون من حصتها فور الاتفاق على اسم الشخصيات التي ستتولاها». وتوضح أن «من هذه المناصب، الوزارات الأمنية الثلاث، الدفاع والداخلية والأمن الوطني، وبعض الوزارات الأخرى».
وتحدثت المصادر نفسها عن أن التشكيلة المرتقبة ستتألف من حوالى 36 شخصية. سيحظى التحالف بحوالى 18 وزارة هي: النفط والتخطيط والنقل والتعليم العالي والعدل والموارد المائية والبلديات والعمل والشباب والرياضة وحقوق الإنسان والسياحة والآثار، إضافة إلى 5 وزارات دولة لشؤون المصالحة الوطنية والخارجية ومجلس النواب والأهوار.
وستحصل «العراقية» على 9 وزارات هي: المال والتربية والكهرباء والصناعة والزراعة والاتصالات والثقافة والمحافظات، زائد وزارة دولة. كما سيحظى تحالف الوسط بوزارة العلوم والتكنولوجيا.
في المقابل، سيحصل الأكراد على وزارات الخارجية والتجارة والصحة والهجرة والمهجرين ووزارتي دولة لشؤون المجتمع المدني والمرأة، إضافة إلى وزارة البيئة التي ستُعطى لشخصية مسيحية.
مصادر مقربة من المالكي وأخرى تؤدي دور الوساطة بين الكتل تؤكد أنه «جرى التوافق على أن يكون للجميع حق النقض على مرشحي الكتل للوزارات الأمنية»، مشيرة إلى «وجود مشكلة لدى الأكراد الذين يجب أن يرضوا كتلة التغيير بزعامة نوشيروان مصطفى».
وتقول المصادر نفسها إن زعيم «العراقية» إياد علاوي «عاند بداية الأمر وذهب إلى لندن، فوجد أنه خرج من المونة بلا حمص. الآن عاد، لترؤس المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية الذي لم يصدر القانون الخاص به بعد. في النهاية، هو منصب جيد من ناحية الامتيازات الشكلية، بمعنى الراتب وفرقة الحماية والمستشارين. لكنه منصب بلا صلاحيات، ويبدو أن علاوي رأى في قبوله أحسن من عدم الحصول على شيء». وتلفت إلى أن علاوي سيحظى، إضافة إلى هذا المجلس، بحقيبتين وزاريتين، ستكون إحداهما من نصيب ابن عمه محمد علاوي.
وكان المالكي قد التقى بعلاوي أول من أمس، للمرة الثانية في غضون أسبوع واحد، وقد اقتصر حديث الرجلين بعد الاجتماع على الإعراب عن تفاؤلهما، إذ إنّ «ما يحصل في اتجاه تأليف الحكومة وتأسيس المؤسسات المهمة يصب في تكوين الدولة ومشاركة القوى السياسية ورسم مساراتها».
ويوم أمس، عقد علاوي مؤتمراً صحافياً في بغداد، طمأن فيه إلى أنه سيرأس «المجلس الأعلى للسياسات الاستراتيجية بناءً على الاتفاقات التي عقدناها مع السيدين المالكي والبرزاني. وتابع محذراً من أنه «إذا تغيّر شيء في الاتفاق، فستكون تلك قصة مختلفة تماماً».
وتشير المصادر إلى وجود «توجه نحو إرضاء المجلس الأعلى بوزارة فئة ثالثة. أصلاً لا يمتلك المجلس جرأة المطالبة بحصة وزارية بعد كل الذي فعله، ولا يعتقد أنه سيواصل ممارسة المعارضة للمعارضة في الفترة المقبلة بعد الدرس الذي تعلمه». وتؤكد المصادر أن «المجلس انشق إلى قسمين، بقي الأول مع عمار الحكيم، وهو عبارة عن 6 أو سبعة نواب، فيما انضم الآخرون، أي نحو 13 أو 14 نائباً، إلى رئيس منظمة بدر هادي العامري. حتى عادل عبد المهدي يبدو أنه يعمل على الخروج من عباءة آل الحكيم. في النهاية المجلس انتهى». وتضيف إن «التيار الصدري مرّ بأزمة مشابهة. تعرض لانتكاسة كبرى بعد معارك البصرة، وبسبب أدائه حيال الحكومة. لكن الصدريين أدركوا أنهم أخطأوا، وعملوا على تصحيح المسار حتى باتوا رجال دولة نجحوا في تنظيم وجودهم ودورهم السياسي. بات لديهم خطاب ناضج، وهو ما سيؤدي حتماً إلى تصحيح الكثير من المسارات»، موضحة أن «هناك توجهاً لقيام تيار سياسي، أو تحالف سياسي يضم دولة القانون والتيار الصدري وبعض سنّة العراقيّة لإدارة الدولة. الرهان على تيار كهذا للنجاح في إدارة عجلة الحكم، وإلا فمسار الحكومة سيكون صعباً». وتشدد المصادر على أن «السعودية هي التي عرقلت قيام هذا التيار قبل الانتخابات. الآن انتهت المرحلة التي كانت فيه الرياض قادرة على فرض رأيها أو خداع الآخرين للقبول به».
وتؤكد المصادر نفسها أن «مشكلة صالح المطلك قد حُلَّت، بعد رفع اجتثاث البعث عنه، بإعطائه منصب نائب رئيس وزراء»، وذلك بعدما صوّت البرلمان على رفع الاجتثاث عن كل من المطلك وجمال الكربولي وظافر العاني، على أن يخرج راسم العوادي من اللائحة لاحقاً. وتضيف إنه «لم يكن ممكناً سحب وزارة الخارجية من أيدي الأكراد لأن البديل منها سيكون كارثياً». وتوضح «من غير الممكن إعطاء الأكراد وزارتي المال والنفط، لا العراقية ستقبل ولا التحالف الوطني سيقبل، لأن الأكراد سيستغلون أياً من هاتين الوزارتين السياديتين لتعزيز مكاسبهم النفطية، أو حصتهم من المالية العامة. كما لا يجوز إعطاؤهم وزارة الدفاع، في الوقت الذي يحظون فيه بمنصب رئيس أركان الجيش. من هنا كان إعطاؤهم الخارجية الخيار الأكثر أماناً» والتي ستبقى بيد هوشيار زيباري.
ولفتت المصادر إلى «الحركة الخطيرة التي قام بها أخيراً (رئيس إقليم كردستان مسعود) البرزاني حول حق الأكراد في تقرير المصير، مع ما يعنيه ذلك من نزعة انفصالية، ما دفع التحالف الوطني ومكونات القائمة العراقية إلى نوع من التقارب عملوا في خلاله على تفريغ الورقة الكردية من مضمونها عبر تحويلها إلى ورقة وطنية، بزيادة عدد بنودها إلى 25 من 17، وذلك بعد شطب جميع المطالب الكردية الخلافية مثل اعتبار الحكومة مستقيلة إذا انسحب منها الأكراد، في مقابل مواد أخرى أضيفت مثل تسليح الجيش وإخراج العراق من البند السابع وما إلى ذلك».
وتعرب المصادر نفسها عن اقتناعها بأن «الملف الكردي هو الذي زعزع الوضع داخل العراقية، وعزز فرص المالكي»، موضحة: «هناك على سبيل المثال، كيف أن طارق الهاشمي رفع الأعلام الكردية في البصرة وكيف عمدت المحافظة التابعة لرئيس الوزراء الى رفعها بذريعة أن العمل مخالف للقانون، فغدا المالكي الشيعي أكثر عراقية من الهاشمي السني. هناك أيضاً رفض المالكي مبادرة البرزاني بحجة أن عاصمة العراق هي بغداد، لا أربيل، في الوقت الذي رحبت فيه قيادة العراقية بالمبادرة. وقس على ذلك. بات سنّة العراقية أمام حل من اثنين: إما خوض مواجهة مع الأكراد، إضافة إلى مواجهتهم مع الشيعة، ما يؤدي إلى تهميشهم. أو يتقربون من الشيعة في إطار تسوية رغم معارضة السعودية، وهذا ما حصل».
وجددت أوساط المالكي التأكيد أن «المصيبة الكبرى التي ألمّت بالعراق ليست سوى القائمة العراقية»، موضحة أن «الاتجاه كان، قبل الانتخابات، نحو قيام تحالفين كبيرين عابرين للطوائف، يولّدان كتلتين برلمانيتين كبريين تحكمان العراق. إلا أن قيام العراقية على قاعدة مذهبية سنية مع طربوش شيعي، لم يترك أمام الأطراف الأخرى سوى إقامة تحالفات على مستوى مذهبي أو عرقي».
وأشارت المصادر نفسها إلى أن المالكي ينحو نحو زيادة عدد نوابه، سواء حظوا بتسمية نائب رئيس وزراء أو معاون رئيس وزراء، وذلك للأسباب الآتية: أولاً، يرضي أكبر عدد ممكن من الكتل. ثانياً، يساعده ذلك في تخفيف تأثير هؤلاء النواب، بمعنى أن نائب رئيس وزراء من أصل اثنين، له وزن معنوي أكبر من نائب من أصل خمسة. ثالثاً، يساعده هذا أيضاً في توزيع الملفات، بما لا يرهق أياً من مساعديه، وفي الوقت نفسه لا يعطي أحداً كماً من هذه الملفات يجعله رقماً صعباً داخل الحكومة.
مصادر من شركاء السر في المفاوضات العراقية تتحدث عن أن «المالكي يبدو مرتاحاً جداً. لعل الوحيدين الذين يُتعبونه هم الصدريون الذين يطالبون بمنصب نائب رئيس وزراء ويسمّون جعفر الصدر لشغله، علماً بأن هذا الأخير من دولة القانون التي يتزعمها المالكي الذي يرى أنه أعطاهم منصب نائب رئيس برلمان ما يعدّ كافياً». وتضيف إن «الصدريين يطالبون أيضاً ببهاء الأعرجي لوزارة الموارد المائية، علماً بأن للمالكي ملاحظات كثيرة على سلوك هذا الأخير» الذي يبدو أنه انسحب في وقت متأخر من مساء أمس. «في النهاية، سيحصل الصدريون على نحو 6 أو 7 وزارات، بينها الإسكان والموارد المائية والبلديات، إضافة إلى التخطيط أو النقل. ويريد المالكي إعطاء هذه الأخيرة لهادي العامري (أبو حسن) جراء موقفه خلال الأزمة الحكومية، في وقت ليس فيه لدى الصدريين أي شخصية تمتلك ما يؤهلها لتولي وزارة التخطيط».
وبالنسبة إلى نواب رئيس الجمهورية، عقد البرلمان العراقي أمس جلسة لبحث أصل وجود مناصب كهذه، بعدما انتهت مفاعيل المادة الدستورية التي أدت إلى قيام مجلس الرئاسة المكوَّن من الرئيس ونائبين يمتلكون جميعاً حق النقض، مع انتهاء ولاية البرلمان السابق. وتفيد مصادر مطّلعة بأن الاتجاه هو نحو إبقاء منصب نواب الرئيس وإنما بصلاحيات استشارية ليس إلا.


كركوك موحّدة حول اللواء تورهان

تظاهر المئات من العرب والأكراد والتركمان، أمس، في مدينة كركوك، للمطالبة بترشيح شخصية تركمانية لمنصب نائب رئيس الجمهورية، ما يعكس للمرة الأولى اتفاقاً بين مكونات هذه المدينة. وتجمّع أهالي كركوك مطالبين بمنح منصب نائب رئيس الجمهورية لللواء تورهان عبد الرحمن يوسف آغا الذي يشغل نائب مدير عام شرطة كركوك منذ 2003. واحتشد التركمان والعرب والأكراد وهم يرفعون العلم العراقي وأعلاماً تركمانية ولافتات كتب عليها «نطالب قادة العراق بمنح اللواء تورهان منصب نائب الرئيس». وتُعَدّ هذه التظاهرة الأولى من نوعها التي تشارك فيها معظم مكونات المدينة وتتوحد مطالبها بشأن قضية واحدة.
وقال شيخ عشيرة اللهيب، الشيخ كريم عواد الفدعوس، «نحن للمرة الأولى، تجمّعنا عرباً وأكراداً وتركماناً تحت هدف واحد، هو المطالبة باختيار اللواء تورهان، الذي عرفناه باعتداله وتوازنه ووقوفه على مسافة واحدة من الجميع».