رغم الهدنة المؤقّتة لا يزال الاحتلال الإسرائيلي يسعى في عدوانه الحالي إلى تحويل قطاع غزة إلى قبر ضيق، أو مسرح مكشوف يمارس فوقه لعبة الدمار والموت.وبقصف وحشي يرتفع عدد الشهداء والجرحى، خاصة من الأطفال والنساء، حيث بلغت نسبتهم من الشهداء والجرحى 70% تقريباً.
ومن أسباب هذا العدد الكبير من الأطفال الشهداء والجرحى عدم توفر إمكانات طبية لعلاجهم وتسكين آلامهم وجروحهم، و الكارثة لا تتوقف هنا على من استشهد أو جُرح، بل على من بقوا على قيد الحياة، جرحى لا يجدون العلاج اللازم، في ظل افتقار قطاع غزة إلى الإمكانات الطبية الضرورية لإنقاذهم، إضافة إلى وجود عدد كبير من الأطفال الذين تأثّروا نفسياً بالحرب بسبب الصدمات الشديدة وخطر الموت الدائم عليهم، وعدم وجود مكان آمن لهم شمال ووسط وجنوب قطاع غزة. هذا فضلاً عن المعاناة القاسية نتيجة نقص الغذاء والدواء، واضطرابات النوم والكوابيس والرعب الليلي، وفرط النشاط والقلق، وارتفاع درجات الحرارة لديهم دون سبب بيولوجي.
والأطفال في غزة كبقية أطفال العالم، رغم الحرب والخوف لا يزالون يحبون الحياة، ويحبون ألعابهم ويحلمون بألعاب جديدة، ويتطلّعون إليها بعيون دامعة تحدّق في حطام جدران المنازل، وغبار قصف المباني التي جرحتهم وكست وجوههم باللونيْن الأحمر والرمادي، وبالصدمة والهلع والحزن على ما فقدوه من أهل وأصدقاء وألعاب، نتيجة ما فعلته الطائرات الحربية الإسرائيلية التي يقودها طيارون لا يتورّعون عن قصف أطفال يلعبون على شاطئ البحر بالرمل وأرجوحة الزمن، أو في باحة المدرسة التي تحوّلت إلى مركز إيواء يضجّ بخليط من البكاء والضحكات.
وإذا كان معظم أطفال غزة اليوم لا يجدون سريراً للنوم، كي يتابعوا أحلامهم باللعب والمرح الذي يغتاله الاحتلال، فإنهم كغزة لا يستسلمون، ولا يزال بعضهم يتسلّلون إلى مناطق يظنون أنها آمنة كي يلعبوا كرة القدم، وألعاب الحرب والانتصار، المستمدّة من واقعهم المليء بالقصص الدامية عن الألم والصمود والحرمان.
ولا شيء يشغلهم عن التفكير في ألعابهم، رغم جروح الحرب البشعة التي استهدفت ألعابهم، وأيضاً محالّ الألعاب التي كانوا يقصدونها مع أهلهم لاختيار لعبهم، التي دمّر وأحرق الاحتلال القديم والجديد منها، خاصة الدمى والكرات التي يفضّلونها عن غيرها من الألعاب.
وقد كان الطفل عاصف أبو مازن ابن مخيم النصيرات ماهراً جداً في لعبة كرة القدم، ويحلم بأن يصبح لاعباً مشهوراً، لكنّ كرته دُفنت تحت ركام منزله، وقبل الحرب كان عاصف ابن الـ 11 عاماً يلعب كرة القدم في نادي المخيم مدافعاً وأحياناً حارسَ مرمى، لكنّ غارة جوية حاقدة على منزله غيّرت مجرى حياته بشكل دائم، حيث كان لا بد من بتر ساقه اليمنى تحت الركبة، فانتهى حلمه بأن يصبح لاعباً محترفاً، واليوم يتأمّل بصمت صورته في لباس الرياضة الخاص به، والذي دُفن مع الكثير من أشيائه وألعابه التي يتذكّرها وهو يضحك بشجاعة تخفي الكثير من الوجع، مثل سؤاله لوالدته: هل سيسخر مني أصدقائي ويقولون لي (يا أبو إجر مقطوعة).
ولا يزال عاصف يحلم، كما يقول لأمّه بالحصول على ألعاب جديدة، وانتهاء الحرب التي لا تشبه البالونات والدمى والألعاب النارية، بل هي أقسى، حتى من نقص الطعام والماء، لأنها تنشر الموت والخراب الكالح والبشع وكوابيس الرعب في الليل والنهار.
وعاصف كغيره من أطفال غزة يحلم بالألعاب الجديدة وانتهاء الحرب والحصول على وجبة غير التي تُقدم لهم مرة واحدة يومياً في مراكز الإيواء، ويتمنى هو ورفاقه أن يعودوا إلى منازلهم ومدارسهم وملاعبهم وأن يأكلوا وجبات شهية ويشربوا مياهاً عذبة، وفي إجابة أكثر وضوحاً عن الأحلام والأمنيات، قالت مجموعة من الأطفال أمام الصحافيين، إنهم يحلمون باللعب بحرية والصلاة في المسجد الأقصى والخلاص من الاحتلال.