انتهت جولة أخرى من معركة مخيم عين الحلوة، وليس واضحاً بعد إن كان القتال سيُستأنف في وقت ما، أكان قريباً أم بعيداً. وحتى ذلك الحين، وخلال الجولتين الماضيتين، وما بينهما، كانت تدور معركة أخرى على مجموعات «واتس أب»، وصفحات «فيسبوك» تابعة إما لأنصار حركة «فتح» وإما للمجموعات المتطرفة في المخيم ومن والاها. ولعل المتابع لهذه المجموعات وهذه الصفحات، يدرك تماماً معنى المعركة المستمرة، التي تطاول نيرانها كل شيء، وتذكّر على الفور بالتقاذف الإعلامي الذي انبرى رواده بعد الانقسام الفلسطيني الفلسطيني في غزة عام 2007، يؤجّجونه.ومع تجاوز فكرة أن مسؤولي معظم الصفحات، أرقامهم ليست لبنانية. ومع تجاوز الأخطاء الكثيرة في المعلومات، حتى تلك المتعلقة بفلسطين في بعض الأحيان وفي أوقات السلم، فإنه لا يمكن تجاوز في أي حال من الأحوال، الفبركات الكثيرة للمعلومات التي تحصل على تلك المجموعات، والتي من شأنها «الاستقطاب» السلبي للناس، ومع الفبركة والكذب، تجد محاولات رخيصة لابتزاز مشاعر الناس البسيطة عبر الدين، وإعطاء انطباع للناس، بأنهم إن لم يقفوا إلى جانبهم، فإنهم لا يقفون مع من ينصرون الله.
في دوائر أعلى مستوى، ومجموعات أكثر مهنية واحترافية، وصلت الأمور بأحد المسؤولين الفصائليين، أن وجّه سهامه نحو أحد الصحافيين الفلسطينيين، بعد أن قال رأيه بما يحدث في «عين الحلوة»، الرأي الذي لم يعجب المسؤول، الذي اعتبر الرأي «تحريضياً»، فأطلق عليه تهديداً بتقديم شكوى ضده لدى «تنظيمه»، ولدى مكان عمله في إحدى القنوات التلفزيونية الأهم، ولدى «حزب الله»، وكل هذا بدعوى أن الزميل الصحافي يحرّض، في حين أن هذا الزميل يكتب رأيه باسمه الصريح، ولا يتوانى عن تأكيد معلوماته في مقالاته الأسبوعية، لكن يبدو أن ما هو مطلوب منا نحن الكتّاب أن نلتزم بما يراه «السياسي» ويتفق عليه «السياسي مع السياسي» (أي سياسي كان)، وأن نلتزم بمقولاته، فنصبح مع الوقت «مطبلين ومزمرين» لهذا وذاك. وفي حال لم نكن كذلك، فنصبح «تحريضيين»، وعليه يبدو أن المسؤول «الفصائلي» في الصف الأول، إن قرأ هذه المادة الصغيرة التي تشير إليه، فسيعتبرها تحريضاً، وسيقدم شكوى لإدارة الجريدة، عن كاتب مسّ «المقدّس»، وفي حادثة مماثلة، قام سياسي فلسطيني رفيع، يمثل طرفاً في الصراع الدائر بالهجوم على زميلة صحافية، لأن ما تكتبه في الجريدة التي تعمل فيها اعتبره «تحريضاً».
أخيراً، الصحافيون والكتّاب وأصحاب الرأي ليسوا فوق العالم، لكن حين يمارسون دورهم، لا يحقّ لأحد على الإطلاق أن يتّهمهم بالتحريض، ولا سيما إن كان من يوجّه الاتهام، هو أحد الأطراف في المعركة، سواء من قريب أو من بعيد... فاعتبروا.