«التنسيق الأمني مقدّس»، هذه أشهر عبارات رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، والتي قالها عام 2014 خلال لقائه نشطاء سلام إسرائيليين. عندما قال أبو مازن هذه العبارة، كانت هبة السكاكين في بدايتها، وقد ساهمت السلطة، بشكل كبير، في إجهاضها، بمنعها الحافلات العمومية من إيصال الشبّان إلى مناطق الاشتباك مع جنود العدو بالقرب من المستوطنات، وبزيارة قادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية لزعماء العشائر في الضفة الغربية المحتلة لتحذيرهم من نية أبنائهم تنفيذ عمليات، وذلك بعد تمجيدهم شهداء عبر منشورات كتبوها على وسائل التواصل الاجتماعي.السلطة تنفّذ ما يطلبه الإسرائيلي، معتقدة أنها تساهم في حفظ دماء الشعب الفلسطيني، لكن كل ما تفعله هو توفير الأمن للإسرائيليين فقط. فالاقتحامات الإسرائيلية للضفة لا تتوقّف، ومن دون إعلام السلطة بها، ما وضع أمن السلطة مرّات عدّة بوجه جنود العدو. التنسيق الأمني مقدّس، لأنه إذا توقّف فإن شريان حياة رئيسيّاً ممتداً للسلطة سينقطع، كما أن الامتيازات التي يحصل عليها قادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية ستتوقف، مثل تصريحات الـ«Vip» (بطاقات تسهيل مرور)، التي تسمح لهم بالوصول إلى شواطئ تل أبيب.
في أسوأ مراحل العلاقة بين السلطة وحكومة العدو استمر التنسيق الأمني، لكن بشكل أبرد. فبعد طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب «صفقة القرن» وإغلاقه مكاتب منظمة التحرير في واشنطن، أعلن عباس وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، الإعلان كان عبارة عن حقنة لتهدئة الشارع وللقول بأن السلطة تملك أدوات ضغط بوجه العدو. لكن كما التهديد المستمر بالتوجه إلى الجنائية الدولية، رمى عباس هذه الورقة للمرة المليون إعلامياً، لكن في الواقع لا شيء تغيّر.
اليوم، وصل التنسيق الأمني إلى مستوى أعلى من مستوى إلقاء القبض على مقاومين


اليوم، وصل التنسيق الأمني إلى مستوى أعلى من مستوى إلقاء القبض على مقاومين، فإسرائيل أصبحت تحدّد خليفة عباس، وتضغط ليكون الشخص المحتمل تولّيه السلطة قريباً منها، ويؤمن بأن التنسيق الأمني مقدّس، وبدونه لا وجود له وللسلطة، وهذا الشخص حالياً هو حسين الشيخ مسؤول ملف التنسيق والتواصل مع العدو. ما جرى مع الشهيد نزار بنات ودخول رجال السلطة إلى منطقة تقع تحت السيطرة الأمنية ليس بأمر جديد، وقد يكون قد تم التواصل مع سلطات العدو لتنسيق الدخول لإلقاء القبض عليه، إلا أن أخطر مراحل التنسيق الأمني هو تبادل المعلومات حول المقاومين والبحث عنهم وتقديمهم وتسهيل ذبحهم بسكين إسرائيلي. وهذا الكلام ليس اتهام زور، بل واقع، إذ في الفترة الماضية اغتالت إسرائيل عدداً من الشهداء من سكان جنين، أغلب هؤلاء كانوا مطلوبين ومطاردين ومعتقلين لدى السلطة، واغتيلوا بعد الإفراج عنهم بأيّام عدة. وأكبر دليل على ما ذُكر هو اغتيال الشهيد باسل الأعرج، الذي اعتقلته السلطة وعذّبته وأطلقت سراحه، ليقتل مشتبكاً بعد إبلاغ السلطة أجهزة العدو عن مكان وجوده.
وقف التنسيق الأمني ومواجهته أمر واجب. على المقاومة وعلى الفلسطينيين مواجهة التنسيق وضربه، إذ لا يمكن عند تحرير فلسطين أن يعتبر الخائن الذي اعتقل المقاوم وعذّبه وسهّل قتله بأن له نصيباً من فرحة التحرير.