شكّلت انتفاضة الثلاثين من آذار 1976، محطّة مفصلية في نضال فلسطينيّي الداخل المُحتل عام 1948، كَونَها مثّلت أوّل مواجهة شاملة مع الاحتلال منذ النكبة، كسر فيها أصحاب الأرض المحتلّة حاجز الخوف الذي عاشوه خلال فترة الحُكم العسكري ما بين عامَي 1948 و1966، ليُرسوا قواعد نضالية جديدة ما زالت حاضرة إلى يومنا هذا. في عام 1975، أعلنت المؤسّسة الصهيونية التي كان يرأس حكومتها آنذاك إسحاق رابين، ويتولّى شمعون بيريز فيها منصب وزير الأمن، عن خطّة لتهويد الجليل، لتصادق حكومة الكيان في 29 شباط 1976 على مصادرة 21 ألف دونم في الجليل، بما فيها أراضٍ تعود ملكيّتها إلى فلاحين من سخنين وعرابة ودير حنا وعرب السواعد، في إطار سياسة مستمرّة ومتصاعدة للاستيلاء على الأراضي العربية المتبقّية. تداولت القوى الوطنية التي كانت موجودة آنذاك، في كيفية التصدّي لهذا المشروع، ليتقرّر تشكيل «اللجنة القطرية للدفاع عن الأراضي»، التي عقدت اجتماعاً عاجلاً يوم 1 شباط في الناصرة، نتج منه إعلان الإضراب العام والشامل في 30 آذار.

ليس عبثاً أن يصبح 30 آذار يوماً للأرض. أحداثه شكّلت مدرسة في معنى الارتباط بالأرض والدفاع عنها، ومؤشّراً إلى وعي جماهيري مرتبط وجدانياً بالوطن، على رغم سلب السيادة السياسية من قِبَل دولة الاحتلال. خروج الناس للمشاركة في التظاهرات كان تعبيراً عن علاقة مختلفة بين المحتلّ والفلسطينيين. في صباح الثلاثين من آذار، وعلى رغم حظر التجوّل المفروض، واتّخاذ الحكومة الصهيونية قرارها بإدخال جيش الاحتلال لقمع التظاهرات وكسر الإضراب، وبعد أن انتشر نبأ استشهاد خير ياسين من قرية عرابة، انطلقت في معظم البلدات العربية تظاهرات حاشدة وغاضبة، كان أبرزها في مدينة سخنين، حيث استشهد ثلاثة من شهداء «يوم الأرض»، وهم: خديجة شواهنة، رجا أبو ريا وخضر خلايلة. وفي قرية كفر كنا، استشهد محسن طه، وفي مدينة الطيبة رأفت الزهيري، من سكان مخيم نور شمس في طولكرم.
في الأعوام التالية، تحوّل الشهداء الستّة إلى شواهد على إرهاب الكيان. بُني صرح تذكاري لهم يجتمع حوله الفلسطينيون كلّ عام إحياءً للذكرى، ولتثبيت النهج الوطني للسكّان الأصليين، بعدما استطاع فلسطينيّو الـ48 تغيير معادلة الصراع، وإنهاء 28 عاماً من اعتقاد الكيان بأنه فرض هيمنته على ذهنيّة أصحاب الأرض، وتحوّلوا إلى رافعة لنموّ الوعي الوطني الفلسطيني العام والوجدان القومي العربي، خصوصاً أن الحدث تزامن مع تصاعد وهج الثورة الفلسطينية و«منظمة التحرير». وبذلك، تعزّزت العلاقة المصيرية مع الفلسطينيين في المناطق المحتلة عام 1967، الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، ليصبح هذا اليوم يوماً وطنياً لعموم الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات. وقد كانت للحدث، أيضاً، تأثيرات على الحركة الوطنية في الداخل الفلسطيني؛ فقد برزت في مرحلة انتفاضة عام 1976، قيادات ساهمت في بناء أطر وهيئات وحركات تنظيمية، رفضاً للاعتراف بشرعية الكيان. كما شكّلت الانتفاضة نقطة انطلاق لِمَا تلاها من محطّات مواجهة مختلفة مع المحتلّ، وهو ما تجلّى في هَبّة القدس والأقصى عام 2000، حيث شهدت أراضي عام 1948 فعاليات أظهرت تلاحم أبناء الشعب الواحد.
وعلى رغم ممارسة كلّ أشكال القمع والترهيب ومحاولات الأسْرلة، إلّا أن جيل انتفاضة الأقصى، الذي تعزّزت في ذهنيّته وسلوكه هويّته العربية الفلسطينية، وضع خنجراً جديداً في نعش الكيان، وذلك في الهَبّة الأخيرة لنصرة القدس والشيخ جراح، إذ أرست هذه الهَبّة قاعدة اشتباك جديدة، أدّت إلى توحيد الجبهات الفلسطينية، حين دخلت فصائل المقاومة في غزة المعركة من خلال عملية «سيف القدس»، وانتفضت الضفة الغربية، وهدّد «محور المقاومة» بحرب إقليمية، ما عزّز حقيقة أن فلسطينيّي الداخل هم جبهة الدفاع الأولى عن الحقّ الفلسطيني.
اليوم، يشكّل العرب الفلسطينيون في مناطق الـ48، ما يقارب 21% من مجمل سكّان الكيان، ويمارسون كلّ أشكال النضال، الذي بات يمثّل «فوبيا» يومية للقيادة والمجتمع الإسرائيليَّيْن، وعامل تهديد لأمنهما القومي. ولا يغيّر في تلك الحقيقة تطبيع أنظمة عربية تابعة، ولا محاولات قوننة يهودية الدولة؛ إذ ستبقى عروبة الأرض والحقوق الفلسطينية أساساً لنهج المقاومة لاستئصال الاحتلال وتحرير الأرض وعودة اللاجئين.