المشهد ذاته يعود إلى الواجهة. اللاجئون العراقيون يحتلّون، مجدداً، الرصيف المقابل لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان. عند الثامنة والنصف من صباح أمس، بدأ عشرات اللاجئين اعتصامهم المفتوح وإضرابهم عن الطعام حتى تحقيق مطالبهم. وإذا كان المطلب الأول والضمني لأيّ احتجاج ينظّمه اللاجئون هو التوطين، فهم يحتجّون هذه المرة على «الفساد المستشري» في المفوضيّة، والمعاملة السيّئة التي يلقونها من موظفيها، كما يطمحون إلى لقاء مديرة المفوضيّة نينات كيلي، لينقلوا لها مشاكلهم وجهاً لوجه، إذ يبدو جلياً أنّ المشكلة الكبرى بين الطرفين هي في انعدام الثقة.
يشكو المعتصمون من تلاعب في الملفات وترجمة غير دقيقة لها، وتعامل انتقائي معهم بحسب المذهب والطائفة، ويؤكّدون أنّ بعض الموظّفين يطلبون رشوة تراوح بين ثلاثة وأربعة آلاف دولار ليشرّعوا أمامهم أبواب التوطين. هذه الحالة من الشكّ الدائم وانعدام الثقة، تساعد على تغذيتها المديرة «الغائبة دوماً عن السمع». فهي كما يخبرون في المفوضيّة: «مشغولة ولا تملك تفاصيل عن أسباب الاعتصام، لذا يتعذّر عليها التكلّم مع الصحافة بالموضوع»! ويسأل اللاجئون الذين لم تتح لهم فرصة لقاء المديرة منذ تعيينها، ما إذا كانت كيلي هنا «بمهمة إنسانية أم أنها سائحة».
قد تكون المفوضيّة في وضع لا تحسد عليه بما أنّ الدولة اللبنانية لا تسهّل أمور اللاجئين، وتوطينهم جميعاً أمر يتخطى طاقتها، فتخلّف وراءها الكثير من اللاجئين الغاضبين. لكن هل يبرّر ذلك المعاملة التي يلقاها اللاجئون؟
يقترب عمّار شاكر متكئاً على عكاز ليخبر قصّته. فالشاب أصيب برجله عندما دفعه أحد مسؤولي أمن المفوضيّة من على السلم. ثلاث عمليات جراحيّة أجراها لرجله من بعدها، لكنها لم تفلح في إعادتها إلى سابق عهدها. أما صالح مهدي فتعرّض للضرب أيضاً على يد أحد موظفي المفوضيّة، كسر له فكّه. ولعبد الجليل قصة أخرى. يقول إنّه اقتيد إلى السجن تاركاً خلفه ابنه ذا السنوات الأربع سليماً. لكن عند خروجه من السجن أخبروه بأنّ ابنه كان يعاني مشكلة في صمام القلب اضطروا من أجلها لإخضاعه لعملية جراحيّة، كانت فاشلة. يحتاج الصبي اليوم إلى علاج دائم، مع أنّ أحد الأطباء، من مؤسسة غير معتمدة من المفوضيّة، أخبره بأنّ العملية سهلة جداً، وما كان يجب أن تؤدي إلى تلك النتيجة، على حد قول والده. هكذا، تنهال عليك شكاوى المعتصمين. يحكي ماجد عبد الرحيم قصة توطين زوجته وأولاده التسعة في كندا منذ نحو سنتين، باستثنائه، لأسباب لم يعرفها. يعتقد عبد الرحيم مثل كثير من اللاجئين أنّ المفوضيّة تتّبع سياسة لتفريق العائلات. هذا الأمر تنفيه بشدّة مسؤولة مكتب الحماية في المفوضيّة فيرونيك روبير. تقول السيدة إنّ «إبقاء أفراد العائلة بعضهم مع بعض من المبادئ الأساسية للمفوضيّة، لكون ذلك يساعدهم أكثر على الاندماج في الوطن الجديد. لكن في بعض الحالات يتمّ تفريق أفراد العائلة لظروف أقوى منّا، تفرضها دول التوطين». في الوقت ذاته تظهر روبير لامبالاة بإضراب اللاجئين عن الطعام، وتقول إنّ المفوضيّة لا تتحمل مسؤوليتهم بل إنهم «أحرار ويستطيعون أن يفعلوا ما يشاؤون. هذه هي حرية التعبير وكلّ منهم مسؤول عن حياته». وتضيف أنّ المفوضيّة ستتصرّف مع هذا الاعتصام، وهو الثالث خلال شهر أمام المفوضيّة، كما تصرفت مع الاعتصامات الأخرى. وستعمد خلال الأيام المقبلة إلى إرسال رسالة خطيّة، جامعة، تعطي فيها تفاصيل عن وضع اللاجئين، كل بحسب الفئة التي ينتمي إليها. وستعيد المفوضية فتح ملفات اللاجئين الشخصية ليعطي كل واحد تفاصيل عن وضعه الشخصي. لكن هذا الحلّ لا يبدو أنه سيرضي المعتصمين الذين أعلنوا أنهم لن يستقبلوا غير مديرة المفوضيّة وسيكملون إضرابهم عن الطعام حتى تغيير قسم الحماية والرعاية الاجتماعية فيها.