في أيار الماضي، خرجت قضية الطبقة الثانية من مبنى الاتصالات في العدلية إلى الضوء. جرى تبادل الاتهامات بشأنها، وكادت تحصل مجزرة بين أفراد من قوى الأمن الداخلي، عندما زار الوزير السابق للاتصالات شربل نحاس المبنى المذكور للاطلاع على ما يحويه من معدات. لاحقاً، ونتيجة للاتصالات السياسية، خفت الحديث عن القضية، إلى أن نالت حكومة الرئيس ميقاتي الثقة. بعد ذلك، كلف وزير الاتصالات نقولا صحناوي لجنة فنية تضم مهندسين من الوزارة ومن الهيئة المنظمة للاتصالات، التدقيق في واقع الشبكة الخلوية الثالثة التي تبث من المبنى المذكور.
وبعد أسابيع من العمل، وضعت اللجنة تقريرها الذي تبين فيه ما يأتي:
ـــــ رفضت هيئة أوجيرو المشغلة للشبكة الثالثة التعاون مع اللجنة، طالبة الحصول على قرار من مجلس الوزراء للتجاوب.
ـــــ رفضت المديرية العامة للاستثمار والصيانة في وزارة الاتصالات التعاون مع اللجنة، وكذلك فعلت شركة الخلوي التي تديرها شركة ألفا.
لكن اللجنة لقيت تعاوناً وصفته بـ«المرضي» من شركة الخلوي التي تشغلها شركة «أم تي سي»، ومن شركة هواوي الصينية المصنعة لتجهيزات الشبكة الثالثة، والمقدمة كهبة من «هواوي» لوزارة الاتصالات.
هذا في الشكل. أما في المضمون التقني، فقد بيّن عمل اللجنة المعطيات الآتية:
ـــــ بدأت الشبكة العمل منذ الأول من كانون الثاني 2008 على الأقل.
ـــــ أظهر كشفُ اللجنة والشركة المصنعة على معدات الشبكة الثالثة أن مجموع محطات الإرسال التابعة لها بلغ 17 محطة في المناطق الآتية: الأشرفية، العدلية، المتن الأوسط، النهر، عاليه، الحدث، بئر حسن، الشويفات، فتقا، الحازمية، الجديدة، ميناء الحصن، رأس النبع، رياض الصلح، صيدا، شوكين والميناء (طرابلس). لكن محطة شوكين (النبطية) لم تكن قد شُغِّلَت إلا لشهرين فقط. أما محطة الميناء التي تغطي المنطقة الساحلية الشمالية، والتي رددت بعض الأوساط أنها تغطي الساحل السوري، فلم يجر تشغيلها أبداً.
ـــــ بناءً على ما أوردته أم تي سي في تقريرها المقدم إلى اللجنة، تبين أن أرقام الهاتف التابعة للشبكة الثالثة أجرت أكثر من 15 ألف اتصال بأرقام عاملة على شبكة «أم تي سي» عام 2008، وأكثر من 9400 اتصال عام 2009، و336 اتصالاً عام 2010 و258 عام 2011.
ـــــ فيما تشير سجلات شركة أم تي سي إلى أن آخر اتصال ورد إلى شبكتها من أحد أرقام الشبكة الثالثة سُجِّل يوم 28 آذار 2011، أظهر تدقيق لجنة التحقيق وفنيي شركة هواوي أن بيانات الاتصالات الخاصة بالشبكة الثالثة، كما سجلّ الدخول إلى بياناتها مفقود منذ الأول من حزيران 2010. ويعني ذلك عدم القدرة على تحديد عدد الاتصالات التي أجرتها الهواتف العاملة على الشبكة الثالثة.

أما على الصعيد الإداري والقانوني، فقد أوردت اللجنة في تقريرها عدداً كبيراً من المخالفات المتعلقة بإنشاء الشبكة وإدارتها. وفي ما يأتي أبرز ما ورد في التقرير لهذه الناحية:
1 ـــــ رُكِّبت كافة التجهيزات التابعة لشبكة الهبة الصينية في كافة المراكز السبعة عشر وفي مركز العدلية من دون صدور أي أمر شغل خلافاً للأصول المتبعة، فيما اختصر صدور أوامر أشغال لفك تجهيزات قديمة موضوعة خارج الخدمة في بعض المراكز إفساحاً في المجال لهيئة الأمكنة المطلوبة بناءً على طلب المدير العام للاستثمار والصيانة.
2 ـــــ إن التوقيع بصفة رئيس مجلس إدارة شركة «أوجيرو تيليكوم» هو توقيع باتخاذ صفة غير مقررة قانوناً. ولا يعود للرئيس ـــــ المدير العام بالوكالة لهيئة أوجيرو وفقاً لتسمية الهيئة قانوناً وختمها أي حق باتخاذ هذه الصفة غير المقررة. وهذا التوقيع قد ورد في العقد الموقع بين لبنان والصين لتنفيذ مشروع الهبة، (...) في حين أن مقدمة هذا العقد قد أشارت صراحةً إلى أن الطرف اللبناني هو «وزارة الاتصالات/أوجيرو».
3 ـــــ إن توقيع السيد جبران الخوري، وفقاً لما ورد في الوثيقة المذكورة في 2 الوارد أعلاه، قد جرى بصفته مدير فريق الـ«جي أس أم» في وزارة الاتصالات/أوجيرو تيليكوم، وهو بذلك توقيع باتخاذ صفة غير مقررة قانوناً وفقاً لتسمية الهيئة، إضافة إلى أن القرار رقم 258/أ/و تاريخ 8/5/2003 الذي أعاد تنظيم فريق عمل مكتب الخلوي التابع لوزير الاتصالات يشير صراحة في مادته الأولى إلى أن السيد جبران الخوري المستخدم في هيئة أوجيرو هو رئيس هذا الفريق. وتشير المادة الثانية من القرار المذكور إلى ارتباط هذا الفريق مباشرة بوزير الاتصالات؛ فليس هناك من مستند قانوني يسمح لرئيس فريق عمل مكتب الخلوي بتوقيع الاتفاقية المذكورة وارتباطه بالرئيس ـــــ المدير العام لهيئة أوجيرو.
4 ـــــ الخلط بين الوضعين الوظيفيين للدكتور عبد المنعم يوسف، الأول كونه المدير العام للاستثمار والصيانة والثاني كونه الرئيس ـــــ المدير العام بالوكالة لهيئة أوجيرو في مذكرة التفاهم تاريخ 15/2/2007 بين هيئة أوجيرو وشركة هواوي، حيث وقّع بصفته الرئيس ـــــ المدير العام بالوكالة لهيئة أوجيرو، في حين أن الختم الممهور به توقيعه في المادة الرابعة عشرة كما على كافة الصفحات المذكورة يعود لصفته الوظيفية مديراً عاماً للاستثمار والصيانة، فيما تنص الاتفاقية عنواناً ومضموناً على صفته الوظيفية رئيساً ـــــ مديراً عاماً بالوكالة لهيئة أوجيرو.
5 ـــــ تكرر الخلط بين الوضعين الوظيفيين، وذلك في الكتاب الموجّه من الرئيس ـــــ المدير العام بالوكالة لهيئة أوجيرو إلى جانب رئيس مجلس الإنماء والإعمار، حيث تضمّن الكتاب الصفتين الوظيفيتين والتأشير من السيد جبران الخوري قرب صفة الرئيس ـــــ المدير العام بالوكالة لهيئة أوجيرو، في حين أن رقم تسجيل الكتاب 167/أص تاريخ 7/2/2008 والختم الممهور به يعود للمديرية العامة للاستثمار والصيانة، حيث لا صفة للسيد الخوري، فيما المفترض بمضمون الكتاب أن تكون الصفة لموقّعه الرئيس ـــــ المدير العام بالوكالة لهيئة أوجيرو.
6 ـــــ ينص المرسوم النافذ حكماً رقم 1055 تاريخ 24/11/2007 في المادة الأولى منه على: «قبلت الهبة المقدمة من الحكومة الصينية لصالح وزارة الاتصالات وهي عبارة عن تجهيزات ومعدات تقنية متكاملة لإنشاء نواة شبكة خلوية ومنصّة ذكية، وذلك دعماً لإطلاق مؤسسة «LIBAN TELECOM. إن هذا المرسوم يزيل أي لبس في ملكية هذه الشبكة الواضح صراحة أنها تعود إلى وزارة الاتصالات.
7 ـــــ إن القرار رقم 83/أ تاريخ 27/5/2008 وضع في الخدمة مجموعة الأرقام الخلوية: من الرقم 500000/70 إلى 549999/70 لمصلحة هيئة أوجيرو (أي ما مجموعه 50000 رقم) بهدف تسلم المعدات الخلوية موضوع الهبة المقدمة من الحكومة الصينية وتركيبها وتشغيلها، وذلك لتمكين وزارة الاتصالات وهيئة أوجيرو من تأسيس نواة شبكة اتصالات خلوية دعماً لإنشاء شركة «ليبان تلكوم».
8 ـــــ وبالرجوع إلى سجل البيانات التي أفادت بها شركة «أم تي سي»، يتبيّن أن كافة المكالمات والرسائل القصيرة SMS التي أجريت من 1/1/2008 لغاية 27/5/2008 قد جرت خلافاً للقانون، إذ استُعملت التجهيزات من دون تخصيص الأرقام من المرجع الصالح وزير الاتصالات.
9 ـــــ بالرجوع إلى المعلومات المستخرجة من قاعدة البيانات في الموقع، يتبيّن أنه جرى تشغيل 14 خطاً خلوياً من أصل الخمسين ألف رقم المخصصة لهذه الشبكة من دون صدور أي قرار من الوزير بوضع هذه الخطوط قيد التجربة ولمصلحة الخدمة، ومن دون تحديد أسماء مستعمليها، ما يُعَدّ مخالفة للأنظمة والقوانين المرعية الإجراء.
10 ـــــ جاء القرار رقم 448/1 تاريخ 30/4/2009 ليعدل القرار رقم 83/1 تاريخ 27/5/2008، ويضع في الخدمة الأرقام الخلوية التالية: من الرقم 100000/76 إلى 199999/76 لمصلحة هيئة أوجيرو (أي ما مجموعه 100000 رقم)، وذلك بدلاً من المجموعة السابقة وبمضاعفتها. بالرجوع إلى تقرير قاعدة البيانات والمعلومات للشبكة، يتبيّن أنه جرى تشغيل 16 خطاً خلوياً من أصل المئة ألف رقم المخصصة لهذه الشبكة من دون صدور أي قرار من الوزير بوضع هذه الخطوط قيد التجربة ولمصلحة الخدمة، ومن دون تحديد أسماء مستعمليها، ما يُعَدّ مخالفة للأنظمة والقوانين المرعية الإجراء.
11 ـــــ بتاريخ 28/3/2011، وضع القرار رقم 335/1 مجموعة الأرقام الخلوية من الرقم 100000/76 إلى 199999/76 في الخدمة، وذلك في الشبكة الخلوية (التي شغلتها شركة ألفا)، وبالتالي ألغيت قانوناً كافة الأرقام المخصصة لشبكة الهبة الصينية. وبالرغم من ذلك، ولتاريخ زيارة اللجنة للموقع في العدلية، بتاريخ 12/10/2011 كانت لا تزال هناك مكالمات من هذه الأرقام على خطوط التخابر التابعة للشبكة الثالة، ما يدل على عدم التقيّد بالقرار الصادر واحترامه، وإساءة استعمال موارد الدولة والتلاعب بها.
(الأخبار)



صحناوي يطلب التوسع في التحقيق

لم تتمكن لجنة التحقيق الفنية التي ألفها وزير الاتصالات نقولا صحناوي من استكمال تحقيقاتها في كافة جوانب عمل الشبكة الثالثة وتفاصيلها. فاللجنة لم تتمكن بعد من الحصول على أجوبة تقنية من شركة «ألفا». كذلك فإن رفض هيئة «أوجيرو» التعاون مع اللجنة منعها من التدقيق في أي بند من الجانب المالي من تجهيزات الشبكة وعملها؛ إذ لم تتوافر للجنة التحقيق، بحسب ما ورد في تقريرها، «كافة العقود التي وقعتها هيئة أوجيرو لتقديم وتركيب أجهزة التكييف وأنظمة الحماية من الحرائق والدخول عبر البطاقات الممغنطة، والشرائح الذكية (SIM cards)» وبعض المستلزمات الأخرى. وبناءً على ذلك، كلف صحناوي اللجنة التواصل مجدداً مع شركة ألفا، ومع هيئة أوجيرو، وتعميق التعاون مع شركة هواوي الصينية، للتوسع في التحقيق وتوضيح كل ما بقي غامضاً بشأن الشبكة الثالثة.