ترك أمس الدكتور مصطفى علوش عيادته في طرابلس و«نزل على بيروت» للمشاركة في اجتماع الأمانة العامة لقوى 14 آذار. مجيء علوش إلى الأشرفية لم يأت عبثاً، بل كان الهدف منه أن يظهر النائب السابق على الشاشة، من على منبر قوى المعارضة، لقراءة مقررات اجتماع الأمانة العامة. بدا المشهد كمن يحاول القول: فلتسكت كل الأصوات، علّوش هو في صلب 14 آذار، وهو لا يزال يحتفظ بصفته التمثيلية لتيار المستقبل في المركز المواجه لفندق «لوغبريال».انتهت الأزمة بين علّوش وقيادة المستقبل. هذا ما يؤكده الطرفان. حُلّت الأمور قبل أسبوع بالتمام، وجاء الحلّ نتيجة سلسلة لقاءات واتصالات جرت بين الطرفين. فيوم الثلاثاء الماضي، زار علّوش رئيس كتلة المستقبل، النائب فؤاد السنيورة. تحدث الرجلان طويلاً في الأمر، فعبّر السنيورة عن استيائه مما صدر عن علّوش حيال السعودية، وفسّر الأخير وجهة نظره وسياق الحديث الذي خلاله ذكر المملكة. النتيجة: السنيورة غير راضٍ ولا يقبل بما حصل.
صودف أنه خلال وجود علّوش في مكتب السنيورة، وصل الأمين العام لتيار المستقبل، أحمد الحريري، للقاء السنيورة في موعد محدد مسبقاً. حضر الحريري قبل ما يقارب ربع الساعة من موعده. جرى إعلام رئيس الكتلة بالأمر، فسأل ضيفه عن إمكان توسيع اللقاء. رحّب علوش بالأمر، باعتبار أنه «بالعكس، ليس من أي أمر أو نقاش يجري من دون علم أحمد». توسّعت دائرة النقاش، ودخل أحمد على الخط. استكملت الجلسة الثلاثية بجو هادئ. احتفظ السنيورة بموقفه السلبي واستمرّ علّوش في الدفاع عن اقتناعه وما يراه منطقياً، «وخصوصاً أن الموقف حصل، وكان منسجماً مع أفكار عامة يوافق عليها الجميع وجرى التطرّق إليها خلال المقابلة».
خرج علّوش من مكتب السنيورة، وبقي أحمد الحريري لمناقشة رئيس الكتلة ببعض الأمور والملفات التنظيمية. انتهى اللقاء الثلاثي بإيجابية؛ إذ تبيّن أن النقاش لم يتعطّل.
في اليوم التالي، أي يوم الأربعاء الماضي، اجتمع علوش بأحمد الحريري مرة ثانية. وطوال فترة الأزمة لم يحصل سوى هذين اللقاءين؛ إذ إنّ الاتصالات الهاتفية كانت الآلية الأساسية لمناقشة ما حصل. خلال هذا اللقاء، أعاد كل من الرجلين تناول الموضوع من الجوانب كافة. ترطّبت الأجواء نهائياً، وعادت المياه إلى مجاريها، فحصل نقاش في وضع المنسقية بالشمال، وختم الحديث عن «أزمة السعودية» بضرورة تجنّب الدخول في سجالات لا تفيد سوى الخصوم، ومن هذه الخلاصة خرجت فكرة تعميم المكتب الإعلامي في التيار على جميع المعنيين، صحافيين ومسؤولين، عدم تناول المملكة في أي موضوع قبل «مراجعة القيادة».
على هذا الأساس انفضّ النقاش والسجال بشأن أزمة علّوش. ومن أحمد الحريري «ونزول» لم يعد المستقبليون يتحدثون عنها كمشكلة. لكن ماذا عن موقف الرئيس سعد الحريري مما حصل؟ يقول علّوش إنّ الرئيس الحريري اتصّل به في اليوم نفسه من تصريحه حول «إجرام المملكة». دام ذلك الاتصال ما يقارب نصف دقيقة، سجّل خلالها الحريري عتبه الشديد، وبسرعة أكد أنّ «من غير الوارد الدخول في سجال مع المملكة والمسؤولين فيها». وبعد هذه الثواني الثقيلة، أخذ الأمين العام لتيار المستقبل مهمّة حل المشكلة، فلا يتردّد علّوش بالإشارة إلى أنّ «العلاقة مع أحمد ممتازة، وهو متفّهم لكل الأمور ويدرك كل ما يحصل».
«لكن سرعان ما يتبيّن أنّ ثمة من ملأ قلبه حقداً على علوش»؛ إذ يقول عدد من مسؤولي المستقبل إنّ النائب المستقبلي في طرابلس، سمير الجسر، «يحمل حقداً طبقياً واجتماعياً وعائلياً على علوش». يضيف المستقبليون أنّ الجسر حاول إذكاء الخلاف وتعميق الأزمة بين النائب السابق وقيادة التيار، عبر مطلبه المتواصل بفصل علوش نتيجة مواقفه. وخلفيات هذا «الحقد الطبقي»، بحسب بعض مسؤولي التيار، هي «أنّ الجسر سليل عائلة سياسية عريقة في الشمال، وهو ينظر بازدراء إلى علوش وأسلوبه الشعبي».
يبتعد علّوش كلياً عن تناول هذا الموضوع، ويؤكد أنه غير متمسّك بموقعه كمنسق. «ففي الأساس، عيّنت في هذا المنصب لحين إعداد كادر آخر يتسلم هذه المهمات». يبدو أن علوش لا يريد الدخول في سجال مع أحد، حتى في السجال الانتخابي، ولو أنّ الوقت لا يزال مبكراً على هذا الموضوع. يؤكد أنه لا يرغب في الترشّح بالاستحقاق المقبل، ويشدد على أنّ حدّة مواقفه نابعة عن اقتناع لا عن طموحات باكتساب ود مسؤول أو صوت حيّ في طرابلس. يقارب موضوع عدم رغبته في النيابة من منظار آخر ـــــ قد لا يتّفق معه كثيرون حوله ـــــ فيقول: «أنا وعائلتي نعتاش من عملي طبيباً، وخلال فترة النيابة هبط مدخولي إلى النصف، وإن استمررت في ذلك، فكيف يمكن أن أعول عائلتي وأعلّم أبنائي؟».
غريب أن يصدر موقف كهذا عن نائب أو نائب سابق في المجلس النيابي؛ فعادة ما تتحوّل النيابة إلى مهنة للاسترزاق. أليس باستطاعة التيار أن يلبّي حاجاته المالية؟ يبتسم علّوش. يقرّ بالأزمة المالية، ولا ينفي أن عدداً من «المؤجِّرين» يطالبون التيار، في طرابلس، بإخلاء مكاتبه لتأخّر تسديد الفواتير والإيجارات. رغم ذلك، يؤكد أنّ خياره هو «تيار المستقبل، وأنا مقتنع بهذا التنظيم ومستمرّ معه رغم كل الأزمات».