صنعاء | بعيداً عن التفاؤل المفرط الذي عبّر عنه المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، خلال جلسة مجلس الأمن المنعقدة أول من أمس، يبدو أن الأوضاع في اليمن تتّجه نحو معركة فاصلة يتمّ الترتيب لها من قِبَل السعودية وحلفائها منذ شهرين. فالمجريات على أرض الواقع تشير إلى تضاؤل مؤشرات السلام، وتنذر بانتكاسة حادّة لكل المساعي التي بُذلت خلال الأشهر الماضية من أجل إنهاء الحرب. إذ تتجّه السعودية، مع اقتراب الذكرى الخامسة للعدوان والحصار، إلى إعادة ترتيب أوضاعها في مختلف الجبهات استعداداً لتصعيد جديد في عام 2020، بعد أشهر من هدنة هشّة غير معلَنة مع «أنصار الله». هذه التحركات، التي بدأت بتقييم أوضاع القوات الموالية لـ«التحالف» في جبهات محافظات مأرب والبيضاء والجوف والحدّ الجنوبي وصولاً إلى تعز والضالع، تجاهلها غريفيث في إحاطته الأخيرة، قائلاً إن الأطراف اليمنية أصبحت على بعد خطوات من الانتقال إلى الحلّ السلمي، في ظلّ صمود العديد من تدابير بناء الثقة، بحسبه. وأشار أيضاً إلى تراجع حدّة العمليات العسكرية، مبيّناً أن الغارات الجوية انخفضت في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي بنسبة 80%، وهو ما قوبل بالنفي من قِبَل المتحدث باسم الجيش اليمني واللجان الشعبية، العميد يحيى سريع، الذي أكد أن «العدو يواصل تصعيده من خلال الزحوفات والتسلّلات اليومية، وكذلك غارات الطيران».
مصادر استخباراتية أكدت، في حديث إلى «الأخبار»، أن السعودية عملت على إعادة ترتيب القوات الموالية لحكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، في محور نجران، وسلّمت زمام أمور عدد من المعسكرات ذات التوجّه السلفي، والمتواجدة في الحدّ الجنوبي، لقيادات عسكرية في حزب «الإصلاح» مطلع الشهر الجاري، وهو ما أدى إلى تمرّد العشرات من منتسبي «لواء الفتح» السلفي، الذي كان تكبّد خسارة كبيرة على يد قوات الجيش واللجان في معركة كتاف أواخر آب/ أغسطس الماضي. ووفقاً للمصادر، فإن توجيهات سعودية صدرت أخيراً للقوات الموالية لهادي في مأرب والجوف والبيضاء برفع الجاهزية القتالية، والاستعداد لأيّ طارئ. وأشارت إلى أن هذه التوجيهات تزامنت مع استعدادات جديدة لاستئناف التصعيد العسكري في جبهات صرواح غربي مأرب، ونهم شرقي العاصمة صنعاء، بعد تعثر القوات الموالية لهادي في جبهات الجوف أخيراً.
هذا التوجّه التصعيدي في مختلف الجبهات، والذي يستهدف على ما يبدو تشتيت قدرات الجيش واللجان المتعاظمة، ترجمه أيضاً استدعاء الرياض العميد طارق محمد صالح (نجل شقيق الرئيس السابق)، قائد ما يسمى «ألوية حراس الجمهورية»، والبالغ عددها 12 لواء متمركزة في الساحل الغربي. وبحسب المصادر نفسها، فإن نائب وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان، وجّه خلال لقائه صالح بسرعة تأسيس أربعة ألوية جديدة بتمويل سعودي، وذلك بعد أيام من انعقاد مؤتمر وزراء خارجية الدول المطلة على البحر الأحمر في العاصمة السعودية الرياض، وتوقيع ميثاق التأسيس من قِبَل 8 دول من بينها حكومة هادي. وهو التطوّر الذي عدّه «المجلس السياسي الأعلى» في صنعاء فعلاً «مشبوهاً يخدم الأجندة الأميركية والإسرائيلية»، مؤكداً حرصه على أمن الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن ومضيق باب المندب.
وتتخذ التحركات السعودية الأخيرة من تنفيذ «اتفاق الرياض» غطاءً لها، كاشفة عن نية المملكة الدفع بالميليشيات المتصارعة في عدن وأبين وشبوة إلى جبهات البيضاء ومكيراس وعقبة ثرة والضالع لمواجهة الجيش واللجان. ووفقاً لمصادر عسكرية في محافظة أبين، فإن توجيهات سعودية صدرت لـ«اللواء 39 مدرع» (يقوده عبدالله الصبيحي) الموالي لحكومة هادي والمتمركز في أبين بالانتقال إلى منطقتَي عقبة ثرة والسيلة في محافظة البيضاء، والواقعتين على خطوط التماس مع قوات صنعاء، فيما تمّ الدفع بميليشيات موالية لـ«الانتقالي» إلى نقاط التماس في مكيراس. وبحسب المصادر، فإن قيادة «التحالف» في عدن أمرت أيضاً بنقل «اللواء 115 مشاة» إلى منطقة الحلحل لفتح جبهة ضدّ قوات صنعاء في مديرية الحدّ في يافع التابعة لمحافظة لحج. كما وجّهت ميليشيات «لواء الأماجد» في لودر بالانتقال إلى منطقة الصومعة في محافظة البيضاء.