عاجلاً وليس آجلاً، انتهى زواج الإكراه بين «أنصار الله» والرئيس السابق علي عبدالله صالح بمقتل الأخير. لم يستطع صالح الاحتفاظ بمفاتيح القوة الحقيقية للشعب اليمني، أي الوحدة الوطنية وتقوية الجبهة الداخلية في مواجهة العدوان الأميركي ــ السعودي على اليمن. وأيّاً تكن نهاية الرئيس السابق، فإن فصلاً جديداً بدأ يُرسم لليمن. ولا شكّ في أنها نهاية حقبة وبداية حقبة أخرى من تاريخ هذا البلد، وبالتأكيد إن ما بعد مقتل صالح ليس كما قبله.
لم يثمّن صالح أن شريكه في التحالف، حركة «أنصار الله»، تنازل عن أهم ما في وجدان وعقل وعاطفة الحركة وقياداتها وكوادرها وجمهورها، بتجاوز قضية الحروب الست التي شنّها عليها من 2002 حتى 2009، وقتله مؤسّسها السيد حسين بدر الدين الحوثي بأوامر شخصية ومباشرة منه، وهو يعرف بفطنته وتجربته السياسية أنه كان بإمكان «أنصار الله» أثناء دخولها إلى صنعاء عام 2014 التعامل معه تماماً كما تعاملت مع شريكه السابق في الحروب الست علي محسن الأحمر. ولكن الحركة غلّبت المصلحة الوطنية بشفاعة تخلّي صالح عن تبعيّته الخارجية وإعلانه انحيازه إلى الوحدة الداخلية والانخراط في مواجهة العدوان.
رغم ذلك، ظلت العلاقة بين الطرفين على الدوام موضع جدال للقريب والبعيد، للمحلي والخارجي، وللصديق والعدو. فالأطراف المحلية من أحزاب ومكوّنات رئيسية في البلد عملت دائماً على الإيقاع بين الطرفين، خصوصاً أنهما نجحا في تشكيل إطار سياسي وقانوني لإدارة الحكم في صنعاء. كذلك فإن الأطراف الخارجية (لا سيما السعودية والإمارات) بقي هدفها الأول إحداث انشقاق في تحالف الطرفين وتصدّع الجبهة الداخلية، بعدما فشل العدوان في إسقاط صنعاء، وبعدما ثبت لتحالف العدوان أن لا خيار أمامه سوى استمالة علي عبدالله صالح وحزبه «المؤتمر الشعبي العام» (بعدما مقتوه لعدم تجاوبه مع مخططاتهم بعد 2014) وأن لا سبيل لضعضعة حكم صنعاء إلا بسلخه هو وحزبه عن الشريك «أنصار الله». ويبدو أنهم نجحوا في سلخ صالح، لكنهم فشلوا في ضعضعة حكم «أنصار الله» للبلد.
لم يكن متوقعاً أن يقع الرئيس السابق، المخضرم والفطن والداهية (كما يوصف)، في فخ تحالف العدوان بهذه البساطة، وأن لا يحسن قراءة الموقف الداخلي والخارجي، رغم أن المشهد واضح وجليّ وليس بحاجة إلى تعمّق في القراءة والتحليل والاستنتاج.
فعلى المستوى الداخلي، سطّر الشعب اليمني بجيشه ولجانه الشعبية وقبائله وأحزابه الوطنية ملحمة أسطورية أصبحت مدرسة في التضحية والصبر، وأصبحت كذلك التجربة العسكرية المكتسبة طوال فترة الحرب موضع مراقبة واستطلاع القادة والخبراء العسكريين في العالم. ومن المؤكد أن تلك التجربة سيستفاد منها في فنون القتال والتكتيكات الميدانية والخطط الاستراتيجية وفي المدارس والأكاديميات العسكرية في العالم.
أما على مستوى الإقليم، فإن جبهة ما يسمى محور الاعتدال (السعودية، الإمارات، مصر...) تعاني من تراجع على المستويات المحلية والاقتصادية كافة، وفشل ذريع لخططها في كل من سوريا والعراق اليمن... مقابل تقدم كبير لمحور المقاومة وتطور في تحالفاته الدولية.
أما على مستوى شراكته مع «أنصار الله»، وفي ظل تعرض البلد لعدوان خارجي تريد السعودية منه استعادة الهيمنة والوصاية على البلد وإرجاعه إلى فلكها، صار متعذراً الاستمرار في التلاعب وادّعاء التشاطر والدهاء، وتبرير التواصل مع قوى العدوان ثم ملاقاة هذا العدوان في منتصف الطريق على قاعدة «أتقدم خطوة مقابل خطوة من جهتكم».
في المكاسب السياسية والشخصية والفئوية تسرّع الرجل، ورسب في امتحان غاية في السهولة واليسر، على خلاف ما عرف عنه من دراية وقدرة على معرفة موازين القوى الداخلية والخارجية. وكان بإمكانه الاستمرار في مناهضة العدوان حتى الرمق الأخير، مسجّلاً اسمه في سجل الزعماء الشرفاء، ومعوّضاً عن تبعيته للنظام السعودي طوال ثلاثين عاماً. وسيغفر له التاريخ، بأن تلك التبعية كانت لتجنيب البلد من الانزلاق في الفتنة، في ظل اختلال موازين القوى لمصلحة الجانب السعودي.
إلا أنه يُشهد للرجل حنكته وزعامته واستمالة قلوب فئة لا يستهان بها من الشعب اليمني، رغم إرغامه على ترك السلطة عام 2012، وحتى ما بعد سيطرة «أنصار الله» على صنعاء عام 2014. فقد تصدّر المشهد وعاد إلى الواجهة السياسية من جديد. إلا أن تهوّره الأخير من دون وجود إمكانية للتراجع، ووعده السعودية بفتح صفحة جديدة داعياً إياها إلى الحوار وإطلاقه بالتزامن التهديدات والوعيد في وجه «أنصار الله» باقتلاعهم... خطوات جعلته يرقص رقصته الأخيرة.