مشهد أول:يدخل أحمد ع. صاحب إحدى المقاهي في منطقة بئر حسن لإلقاء تحية الصباح على جاره الصيدلي باسل. يبادره الثاني بسؤال «كيف رح نحضر المونديال». يجيبه أحمد «مثل مونديالي 2014 و2018 من عند طالب (صاحب محطة ساتلايت). يسارع باسل إلى قطع الطريق مجيباً «إيه لأ طالب قال مش رح يحط المونديال بدهم 90 دولار عن كل مشترك».
يفاجئ أحمد ويعود إلى الكافيه مفكراً في هذه المشكلة.

مشهد ثاني:
يتصل أحمد بطالب مستفسراً فيؤكّد له الأخير ما قاله باسل «مش رح نحضر المباريات. بدهم يسرقوا العالم. 90 دولار عن كل مشترك. هي مش 90 دولار بل 80 دولار لكن عاملين حصتنا بعشرة دولار. أوادم» يضيف طالب. يسأله أحمد «طيب اللي عم ياخدوا 10 و15 دولار من كل مشترك كبدل بث مباريات المونديال، شو هني». يجيب طالب «سرقة تانية. الموضوع واضح إما 90 دولار أو ولا شي وغير هيك اختراعات. ناطرين نشوف شو رح يصير مع تلفزيون لبنان إذا رح ينقلها أو لأ. ساعتها ممكن نروح للقمر الأوروبي».
ينتهي الحديث بين الشخصين على مشكلة ليس فقط لصاحب الكافيه بل لكل شخص يريد متابعة مباريات المونديال. هذا المونديال الذي لم يُمنع اللبناني من متابعته في عز الحروب ومنها الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 حيث تتردد قصة «كأس العالم على بطارية السيارة». كذلك الأمر عام 1986 حين أقيم المونديال في عز حرب المخيمات وغيرها. حينها أصرّ اللبنانيون على متابعة مباريات كأس العالم في المكسيك، وتألّق مارادونا فيه. لكن يبدو أن عام 2022، وفي ظل التغيّر الكبير ودخول عالم المال، لن تنجح بطاريات سيارات العالم في تشغيل «ريسيفرات» الشركات التي تملك حقوق بث المباريات. فقد يكون مونديال عام 2022: «لمن استطاع إليه سبيلاً».
بالنسبة لأي لبناني عادي المعادلة واضحة في حال أراد متابعة المونديال: إما في المنزل أو في كافيه أو مطعم. فهو لبناني عادي وليس «إكسترا» قادر على ركوب الطائرة والتوجّه إلى الدوحة متابعة المونديال «لايف». فالكلفة باهظة وحتى لو استطاع بعضهم تكبّدها فهو لن يكون قادراً على متابعة جميع مباريات المونديال.
حتى كتابة هذه السطور ما زالت الصورة ضبابية في جزء منها. وبالنسبة لمتابعة المباريات في المنزل، الأمور شبه واضحة عنوانها يبدأ من 90 دولاراً في حال كانت محطة الأتراك في المنطقة تقدم هذه الخدمة، أو كان مشتركاً سابقاً لدى BEIN أو CABLE VISION، ويتصاعد المبلغ ليصل إلى حوالى 250 دولاراً في حال أراد اللبناني تركيب صحن و«ريسيفر» والاشتراك في محطات كأس العالم لدى CABLE VISION على سبيل المثال.
ما زالت الصورة ضبابية بالنسبة للمطاعم والمقاهي حول الكلفة التي ستفرض على الزبائن


أما بالنسبة لمتابعة المباريات في الأماكن العامة فالصورة ما زالت غير واضحة من ناحيتين: المطاعم والمقاهي التي ستتوافر لديها المباريات، وكلفة متابعة هذه المباريات للشخص الواحد.
فبعض المقاهي قد يلجأ إلى القمر الاصطناعي الأوروبي لالتقاط المباريات كما يحصل مع جولات الدوري الإيطالي على سبيل المثال والمملوكة حقوقها من قناة أبو ظبي الرياضية وكلفة اشتراكها عالية. وحينها سيكون على مرتادي هذه الأماكن لمتابعة المباريات بتعليق أجنبي (بولوني أو تركي...) وهذا يقلل من متعة متابعة المباريات.
وهناك كافيهات ومطاعم ستعرض المباريات المنقولة عبر BEIN وبالتعليق العربي وهذه ستفرض على الزبائن كلفة إضافية ليست معروفة حتى الآن.
فإذا أخذنا مقهى 77 في منطقة طريقة المطار تؤكّد الموظفة في اتصال معها أن المونديال سيعرض في الكافيه لكن ليس معروفاً بعد الكلفة التي سيدفعها كل زبون مقابل مشاهدة المباريات والتي ستُضاف إلى الفاتورة كـ«CHARGE».
اتصال آخر مع PROS CAFE» في الدكوانة يأتي في السياق عينه. تؤكّد الموظفة بأن المونديال سيكون حاضراً، وحين تسألها عن الكلفة تجيبك «بالنسبة ليوم الافتتاح غداً الأحد هي 200 ألف ليرة عن كل شخص، أما من يوم الاثنين فالأمور مش واضحة بعد. ربما تعتمد على المباريات وقوتها لكن من المؤكّد في CHARGE».
لكن هل هذا يعني أن الأمور أصبحت محصورة في هذه الحلول فقط؟
المفارقة أن الإجابة عن هذا السؤال تبدو سوريالية إلى حدٍ ما. فالحل قد يكون عبر مصدرين. الأول فقد اللبناني فيه أصغر ذرة ثقة أو أمل بأن يقدّم له الحل وهو: الدولة اللبنانية.
والثاني لطالما تندّر اللبناني على الحال التي وصل إليها فكان مادة لنكات وتعليقات ساخرة وبعضها جارح، وهو: تلفزيون لبنان.
فالحديث عن إمكانية نقل مباريات كأس العالم عبر تلفزيون لبنان من خلال مفاوضات بين الدولتين اللبنانية والقطرية بدأ قبل فترة. ولكن كما هي عادة الدولة في أي أمرٍ يتعلّق بالمواطن «بطعميه الضرب شوي شوي» كي لا يقال شيء آخر خادش للحياء. فهذا الأمل أخذ بالتلاشي رويداً حتى أصبح ضئيلاً ما لم يطرأ جديد في الساعات الثماني والأربعين المقبلة تقلب الأمور وتمنح الفرصة للبناني لمتابعة مباريات كأس العالم. هو أمرٌ ليس كمالياً ولا من الرفاهيات. هو من أبسط حقوق أي لبناني يريد أن يشاهد مباريات كأس العالم لأكثر من سبب بدءاً من الهواية والشغف والانتهاء بمتنفّس في ظل كل ما يعيشه من ظروف صعبة.
لكن في الزمن الحديث والدولة المهترئة المفلّسة لا يبقى أمام اللبناني سوى الابتهال أو اجتراح حلول جديدة. ولا شك أنه بعد مونديال قطر 2022 سيكون اللبناني قد اختبر حلولاً يتمّ اعتمادها للمرة الأولى. فبالنهاية هو لبناني «كيف ما رميته بيجي واقف».



كلفة عالية
في حال فكّر اللبناني أن يقوم بمتابعة إحدى المباريات في مطعم أو مقهى فعليه أن يأخذ في حسبانه الكلفة العالية التي قد يتكبدها في زمن أصبح فيه «النفس» مكلفاً سواء لأصحاب المؤسسات أو بالنسبة للزبائن. فمتابعة مباراة في مقهى متوسط يقوم الزبون في تناول الطعام مع مشروب و«نفس أرغيلة» فإن الكلفة لن تقل عن 800 ألف إلى مليون ليرة. فمجرد الوصول إلى المكان بحسب بعده فيه كلفة بنزين. وأي وجبة يتراوح سعرها بين 300 و500 ألف ليرة يضاف إليها «الأرغيلة» بين 100 ألف و200 ألف أنتهاء بأي مشروب لا تقل قيمته عن 70 ألفاً. أضف إلى ذلك «الفاليه» وكلفة المباريات التي ما زالت مجهولة. كلها أرقام تشير إلى أن متابعة المونديال في الأماكن العامة قد يكون امتيازاً غير متاح لكثيرين من اللبنانيين.