4 سنوات مرّت بسرعة البرق. مرور سريع مستحب، فالموعد مع المونديال ليس كأيّ موعدٍ آخر في عالم كرة القدم.هو الموعد الغرامي الخاص بين عشاق المستديرة والعالم أجمع. موعدٌ يأسر المعمورة التي تنتظره بشوقٍ للاستمتاع به على مدار شهرٍ من الزمن. شهر عسل بالنسبة إلى محبي الكرة، وشهر غرام بين العالم وتلك الساحرة التي لا يمكن لأحدٍ أن يزاحمها على شعبيتها.
هو الشهر المونديالي الذي يخلق قواسم مشتركة بين الشعوب، أقلّه لناحية انغماس الكلّ في بحر الكرة، فمن الصعب أن تجد أحداً غير مكترث لما يدور حوله، إذ حتى أولئك الذين لا يهوون المستديرة ستجدهم يحكون عنها ويتابعون منتخباتها ومبارياتها ويصابون بحمى مونديالها.
كأس العالم أصلاً هي بطولة تتخطى بأبعادها البُعد الرياضي، إذ لا تقتصر فقط على مجرّد مباريات بين منتخبات وطنية بل هي بمثابة صراعٍ أممي بين شعوبٍ من مختلف القارات، تجمعهم الكرة ويفرّقهم الوفاء للأمة.
هذا البُعد المرتبط بالصراعات لم يكن خفياً حتى قبل انطلاق مونديال 2018. روسيا البلد المضيف يعرف أكثر من غيره معنى الاستضافة وأهميتها وإفرازاتها.
هذا البلد الذي لم يخرج يوماً من «الحرب الباردة» التي تطلّ بأشكالٍ مختلفة دائماً، وهي أطلت بالفعل منذ اليوم الأول التي قدّمت فيه الدولة الروسية ملف ترشيحها للحصول على شرف الاستضافة، لتبدأ بعدها في «مقاومة» الدول العظمى الغريمة من أجل التمسّك بحقها والدفاع عمّا اعتبرته لها.
صمدت روسيا، وهي تقف اليوم على أبواب استضافة أهم نسخ كأس العالم وأقواها. كما هي بنجاحها المرتقب ستعطي العالم أجمع دروساً في جوانب مختلفة، منها السياسي، ومنها الاقتصادي، ومنها السياحي، وأخيراً الكروي.
بالتأكيد لا يعوّل الروس اليوم على منتخبهم الضعيف ليعكسوا صورةً قوية وحسنة عن البلاد، بل على استضافة أصابت رقماً قياسياً من حيث التكاليف. هم لا يأبهون لتهديدات المتطرفين، ولا للمقاطعة الديبلوماسية البريطانية للمونديال، ولا حتى بانتقادات الصحافة الغربية التي صوّبت عليهم في ملفات عدة، ثم خلطت بين وجودهم في سوريا واستضافتهم للعرس الكروي. هم ركّزوا على شيء واحد يُختصر بالبناء على النجاح الكبير الذي عرفوه خلال استضافتهم لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي قبل 4 أعوام، ليقولوا للعالم بأن الإصرار هو الأساس لتخطي العقبات، إضافةً إلى أمرٍ أكثر أهمية وهو تكاتف الشعب حول الدولة لرفع شأنها ونصرة قضاياها.
روسيا تعرف تماماً أن المونديال هو منصة كبيرة لها لتسويق نفسها من جديد وإنعاش اقتصادها، إذ منذ انفراط عقد الاتحاد السوفياتي والدولة الروسية تعمل على مسألة إبقاء اسمها كدولةٍ عظمى في مختلف المجالات. نجحت في أماكن عدة، وسقطت حساباتها في أماكن أخرى ولو نادراً، لكن حجم العظمة الذي يعطيه المونديال للبلد المضيف لا يقارن بأيّ نجاحٍ آخر. هي مسألة يعرفها تماماً الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أشرف شخصياً على الملف المونديالي وخرج أخيراً داعياً العالم لزيارة بلاده والاستمتاع بالمونديال.
هو يريد أن تكون عبارة «Mother Russia» حاضرة بالفعل لا بالوصف فقط، أي روسيا الأم الحاضنة للعالم في هذه المناسبة الخاصة والاستثنائية.
كيف لنا ألّا نتعلم من كل هذه الدروس التي تحكي عن كيفية بناء الدولة والإنسان في آنٍ معاً. لننظر منذ اليوم إلى كل هذه الشعوب المتقاطرة باتجاه المدن المضيفة للمونديال. للنظر الى شغفها، تعلقّها بالوطن وبألوان بلادها، وطبعاً بمنتخباتها التي تدافع عن سمعتها وشرفها واسمها.
هذا المونديال أصلاً لن يكون عادياً، فالقراءة الفنية لأبرز المنتخبات تنبئ بمسلسل مشوّق سيتخطى التعلّق به ما عرفته المسلسلات الرمضانية الأهم من نجاحات ومتابعة واهتمام لدى الرأي العام. مسلسل أيّاً تكن نهايته، فإنه سيترك ذكريات سيسجلها التاريخ ويبقى الحديث عنها للسنوات الأربع المقبلة أي حتى يحين الموعد الكبير من جديد.