من قضيّة الجاسوس سيرغي سكريبال إلى دينيس نيكيتين أحد المشجعين الروس المتعصّبين، لا يكاد الإعلام الغربي ــ وخاصّة البريطاني ــ يوفّر فرصةً للتصويب على روسيا. قبل أسابيع من بدء منافسات كأس العالم في روسيا واكتمال التحضيرات، يواصل الإعلام البريطاني اتهام المشجعين الروس بالعنصريّة، ويطلق موجات التحذير من إمكانيّة أن يُفسد «الهوليغانز» الروس نهائيات كأس العالم، متناسياً تاريخ المشجعين الإنكليز الدموي في بريطانيا وكل أوروبا كلمة هوليغانز في الأصل إنكليزيّة وتعني الشخص صاحب السلوك المدمّر أو العنيف. بدأت قصّة الهوليغانز في بريطانيا تحديداً في نهاية الستينيات وبداية سبعينيّات القرن الماضي. ويختلف الهوليغانز عن الألتراس حيث إنّ الأخير يكون عبارة عن رابطة جماهير متجانسة، ترتدي ذات الملابس وتتميّز بأسلوب تشجيع خاص، بينما الهوليغانز هم مثيرو الشغب في ملاعب كرة القدم وعلى هامش البطولات. بالعربية: الأوباش. الأندية الإنكليزيّة هي الأولى في العالم التي كان لديها مجموعات من الهوليغانز، وخاصّةً أرسنال مع مجموعة «The herd»، و«Red Army» التابعة لنادي الشياطين الحمر مانشستر يونايتد، فيما كانت جماهير ليفربول هي الأكثر خطورة وتعصّباً، إضافة إلى أندية العاصمة لندن، وتحديداً تشيلسي وتوتنهام هوتسبرز.
في نهائي كأس الأندية الأوروبية عام 1975 اعتدى الهوليغانز على بايرن ميونخ

في 1974، وتحديداً في ربع نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي، حوّلت جماهير نيوكاسل يونايتد مباراة فريقهم مع نوتنغهام فوريست إلى ساحة حرب، بعد أن اقتحمت أرض الملعب واعتدت على لاعبي نوتنغهام. وأدّت هذه الأحداث إلى إصابة أكثر من 100 مشجّع بجروح بالغة، بينها كسر في الجمجمة. وفي 1975 خلال نهائي كأس الأندية الأوروبيّة اعتدت مجموعات الهوليغانز التابعة لنادي ليدز يونايتد على جماهير بايرن ميونيخ الألماني، وأصابت عدداً منهم بجروح. وفي 1977 أيضاً اعتدى الهوليغانز الإنكليزي على جماهير نادي سانت إيتيان الفرنسي خلال مباراة الأخير مع نادي مانشستر يونايتد. لكن، يحاول الإعلام البريطاني تجاهل كل «تاريخ» جمهوره الدموي (وحاضره عندما تلعب انكلترا)، والتصويب على روسيا، حتى إن صحيفة الغارديان البريطانيّة حاولت في تحقيق نشرته في 24 نيسان /أبريل الماضي وصف المشجعين الروس بـ«النازيين». وحاولت الصحيفة في تحقيقها تصوير الهوليغانز الروس كمتلقين للدعم من سياسيين في بلادهم بهدف إثارة الفوضى. الحملة البائسة نفسها ضدّ بوتين. ذلك رغم أنّ بعض هذه الأمور لو كانت صحيحة، فهي تعود إلى 1998. ونسبت الصحيفة في تحقيقها الأحداث التي جرت في مدينة مارسيليا الفرنسية خلال مباراة روسيا وإنكلترا في يورو 2016 إلى المشجعين الروس، رافعة المسؤولية عن الهوليغانز البريطانيين/ رغم أن الروس كانوا بالمئات في فرنسا والإنكليز كانوا أكثر من ثلاثة آلاف مشجع. واكتفت الصحيفة في هذا الإطار بنقل مقابلة عن قناة سكاي نيوز، مع شرطي بريطاني كان يقوم بعمله إلى جانب الشرطة الفرنسية في مدينة مارسيليا، ووصف ما حصل بالقول «كان شيئاً لم أره قط، لقد جاء الروس آنذاك بنيّةٍ مُبيَّتة لتنفيذ أعمال عنف هجوميّة وكانوا منظَّمين جداً وفعالين للغاية. رأينا آنذاك مستوى مختلف من شغب كرة القدم». وحاولت الصحيفة في تقريرها القول إن الهوليغانز الروس حاولوا تقليد الهوليغانز الإنكليز ولكنهم تطرّفوا أكثر وبدؤوا بالاعتداء على الأشخاص في الشوارع، حتى خارج كرة القدم، والاعتداء على المهاجرين. وفي هذا الإطار، نقل التحقيق مقتطفاً من كتاب بيل بوفورد «بين مثيري الشغب» أو «بين البلطجيّة» الصادر في 1990، والذي يصف فيه الهوليغانز الإنكليز بأنهم «بدينون للغاية ويأكلون كميات كبيرة من رقائق البطاطس بنكهة لحم الخنزير المقدد»، وتضيف الصحيفة في تحقيقها أن «الهوليغانز الروس على عكس الإنكليز، يتناولون المشروبات الكحوليّة ويقضون وقتا طويلاً في التدريبات القتاليّة في الغابات»، لتصوير المجشعين الروس بأنهم الأكثر عنفاً في كرة القدم.
المعركة مستمرة من الإعلام البريطاني على روسيا(أرشيف)

ورغم كل محاولات الإعلام الغربي وسم المشجعين الروس بالعنف، إلا أن أندية العاصمة الروسية موسكو تقدّم أفضل صورة للتشجيع أخيراً، حتى مع حصول بعض الشغب واستعمال الألعاب الناريّة على المدرجات، وهذا يحصل في كل مكان. فنادي سبارتاك موسكو يضم مجموعات من المشجعين المتعصبين وهي Union، وShkola، وGladiators، ولكنها مجموعات مختلفة عن تلك التي كانت موجودة في تسعينيّات القرن الماضي، سواء في روسيا أو بريطانيا، وسلوكها العنفي كهوليغانز لا يقارن بما كانت تقوم به الجماهير الإنكليزيّة.
المعركة مستمرّة من الإعلام البريطاني على روسيا، والتي لن تتوقّف بهدف إبقاء الضغط على الروس في نهائيات كاس العالم، ومحاولة تشويه صورة موسكو أمام الرأي العام العالمي، كجزء من التصويب الدائم من الغرب على الشرق، والذي يمتد من السياسة إلى جميع القطاعات.
«اليوم الذي ماتت فيه كرة القدم»

تتجاهل بريطانيا التاريخ الدموي للهوليغانز في الملاعب الإنكليزيّة وتصوّب على الروس. ما حصل في الملاعب الإنكليزيّة لم يحصل في أي مكان آخر في العالم ربما، كما أنّ ما ارتكبه «الهوليغانز» الإنكليز في أوروبا من كوارث لا يمكن أن تنسى. 11 أيّار/مايو عام 1985 كان ملعب برادفورد مسرحاً لمباراة بين صاحب الأرض ونادي لينكولن سيتي ضمن دوري الدرجة الثالثة الإنكليزي، وبعد مرور 40 دقيقة على الشوط الأول، حصل حريق كبير على المدرجات تسببت فيه الجماهير، وأدّى حينها إلى مقتل 56 شخصاً وإصابة نحو 300 آخرين. وبعد حريق برادفورد عنونت صحيفة دايلي ميرور: «اليوم الذي ماتت فيه كرة القدم». بعد هذه الحادثة بـ18 يوماً حصلت كارثة ملعب هيسل في بلجيكا في نهائي كأس الأندية الأوروبيّة البطلة، والذي كان يجمع ليفربول الإنكليزي مع نادي يوفنتوس الإيطالي. وقبل بداية تلك المباراة، بوقت قليل، قامت جماهير ليفربول بكسر الحواجز الفاصلة بينها وبين جماهير النادي الإيطالي، وحصل تدافع كبير، ما أدى إلى انهيار جدار الملعب، وقتل حينها 39 مشجّعاً، كما أصيب 600 آخرين. وبعد تلك الحادثة، تمّ فرض حظر على مشاركة الأنديّة الإنكليزيّة في المسابقات الأوروبيّة حتى عام 1990-1991. الكارثة الأكبر التي راح ضحيتها 96 مشجعاً كانت في هيلزبره، وتحديداً على ملعب شيفيلد قبل لقاء بين ليفربول ونوتغهام فورست في نصف نهائي كأس إنكلترا في 15 نيسان/إبريل من عام 1989. حينها حصل تدافع كبير بين المشجعين أدى الى تحطّم الحواجز الحديديّة ومقتل المشجعين اختناقاً. وبعد نحو 27 عاماً على الحادثة، تمّ تحميل الشرطة مسؤولية الحادثة، كونها أدخلت أعداداً كبيرة من المشجعين، أكثر من قدرة الملعب على الاستيعاب.