في وقت باتت فيه «السقطات الكلامية» - سواء ما يرقى منها إلى مستوى «التجريح الشخصي» أو ما يتّصل بـ»الخروج عن الأدبيات السياسية المتعارف عليها» - سمة أساسية في خطاب مرشّحي الرئاسة في الولايات المتحدة، خيّمت نذر الوعيد بـ»حمام دم»، والذي أطلقه الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، على مختلف ردود الفعل الصادرة عن أبرز وجوه الحزبَين الديموقراطي والجمهوري. وفي آخر مواقفه التي جاءت مصحوبة بخلطه بين الرئيسَين الحالي جو بايدن والأسبق باراك أوباما، فضلاً عن إيغاله في كيل الإهانات الشخصية لخصومه السياسيين، ومن بينهم المدّعية العامة لمقاطعة فولتون (جورجيا)، فاني ويليس، التي تلاحقه في القضية المرفوعة ضدّه بتهمة محاولة قلب نتائج انتخابات عام 2020، إلى جانب حكّام عدد من الولايات، كحاكم ولاية كاليفورنيا عن الحزب الديموقراطي، غافين نيوسوم، قال ترامب، خلال مشاركته في دعم المحافظ بيرني مورينو قبل الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ عن الولاية نفسها: «إذا لم يتم انتخابي، فسيكون ذلك بمثابة حمام دم للجميع، وهذا أقل ما يمكن أن يحدث». وتابع: «إذا لم أفز في الانتخابات، فلست متأكداً من أن انتخابات أخرى ستجري في البلاد». وكرّر ترامب التعبير نفسه، أي «حمام دم»، في معرض حديثه عن أزمة قطاع صناعة السيارات في الولايات المتحدة، واستنكاره قيام الصين ببناء مصانع سيارات في دولة المكسيك المجاورة، بقصد تعزيز صادراتها إلى السوق الأميركية، إذ حذّر من أنه «سيكون هناك حمّام دم للبلاد»، متوعداً الصينيين بالقول: «لكنهم لن يبيعوا تلك السيارات هنا»، في إشارة إلى نيّته فرض سياسات حمائية في القطاع المذكور، عبر إقرار تعريفات جمركية بنسبة 100% على السيارات الصينية المستوردة إلى بلاده.
بيلوسي تقرع الجرس: متى يفهم الأميركيون حقيقة ترامب؟
فور شيوع كلام ترامب، اتّخذ السجال طابعاً حزبيّاً حادّاً، لتصبح معه «خطوط التماس» بين الجمهوريين والديموقراطيين أكثر وضوحاً؛ إذ تعالى الحزب الجمهوري على انقساماته في شأن «أجندة ترامب الرئاسية»، فيما وجد الحزب الديموقراطي نفسه معنياً بـ»ركن» الجدل المحتدم في صفوفه على أكثر من صعيد، وخصوصاً في شأن سياسة الإدارة الأميركية الحالية تجاه الحرب في غزة. فسارع الديموقراطيون إلى استغلال الموقف لإثبات وجهة نظرهم التي تصنّف الرئيس السابق كـ»تهديد للديموقراطية الأميركية»، وفي طليعتهم بايدن، الذي أطلق إشارات تحذيرية من النهج السياسي لغريمه، معتبراً «(أنّنا) نعيش في لحظة غير مسبوقة في التاريخ، تتعرّض فيها قيم الديموقراطية والحرية حرفيّاً للهجوم»، مشيراً إلى أن ما يسوّقه سلفه من «أكاذيب حول انتخابات عام 2020، وما رافقها من مؤامرة لإسقاطها، واحتضان تمرّد السادس من يناير، يشكّل أكبر تهديد لديموقراطيتنا منذ الحرب الأهلية». كذلك، انبرى الناطق باسم حملة بايدن، جيمس سينغر، للردّ، حين وصف المرشّح الجمهوري للرئاسة بـ»الخاسر الذي انهزم بأكثر من 7 ملايين صوت» في انتخابات عام 2020، متّهماً إيّاه بالسعي إلى افتعال موجة «عنف سياسي»، و»أحداث أخرى، شبيهة بما جرى في 6 كانون الثاني». وعلى غرار سينغر الذي انتهز الفرصة لمواصلة التحريض ضدّ ترامب، مبدياً ثقته برفض الجمهور الأميركي إعادة انتخابه، جاءت تعليقات رئيسة مجلس النواب السابقة، الديموقراطية نانسي بيلوسي، التي دعت إلى أخذ «تنبؤات ترامب بحمام دم» على محمل الجدّ، قائلةً، في مقابلة مع شبكة «سي إن إن»: «هناك شيء خاطئ هنا. أنا أحترم الشعب الأميركي وطيبته، لكن كم يجب أن يرى من ترامب كي يفهم أنه لا يعكس قِيم بلدنا؟».
اتّخذ السجال طابعاً حزبيّاً حادّاً، لتصبح معه «خطوط التماس» بين الجمهوريين والديموقراطيين أكثر وضوحاً


الجبهة الجمهورية: خارج السياق!
الخطاب الانفعالي العالي النبرة الصادر عن المرشّح الجمهوري، وما تبعه من «إطلاق نار سياسي» تعرّض له الأخير من قِبَل الديموقراطيين، كلّ ذلك استدعى رداً فورياً من قِبَل الناطقة باسم حملة ترامب، كارولين ليفيت، التي أوضحت أن المقصود ممّا جاء على لسان الرئيس السابق هو شرح وجهة نظره التي تركّز على انتقاد سياسات بايدن في قطاع صناعة السيارات على اعتبار أنها «ستخلق حمام دم اقتصادياً لهذه الصناعة والعاملين فيها». كما فرض «السجال المستجدّ» بين الرئيسَين الحالي والسابق، شكلاً من أشكال الحاجة إلى رصّ الصفوف داخل الحزب، حيث هرع برلمانيون وعدد من قيادات الجمهوريين، حتى أولئك الذين يتبنّون مواقف مغايرة لترامب، إلى الدفاع عنه. فمن جهته، رفض النائب الجمهوري مايك تيرنر، أسوة بزميله في الكونغرس السيناتور مايك راوندز، اعتبار أن ما قاله ترامب ينطوي على تهديد بالعنف السياسي، حيث اعتبر الأول أن عبارات المرشّح الجمهوري «أُخرجت من سياقها»، فيما رأى الثاني أن «مصطلح حمام الدم الذي استخدمه ترامب، كان يقصد به الإشارة إلى قطاع صناعة السيارات الأميركية، وما يلحق بالعاملين الأميركيين فيه بفعل الانكماش الاقتصادي الذي يتهدّد مصيرهم».
والموقف نفسه، تبنّاه السيناتور الجمهوري عن ولاية لويزيانا، بيل كاسيدي، ملمّحاً إلى ما سمّاه «مغالاة» وسائل الإعلام في تحليل ما ذهب إليه ترامب و»تشويه» مضامين كلامه، على رغم إقراره بأن التصريحات تلك تثير «هواجس» لدى الناخبين الأميركيين في شأن تبعات عودته المحتملة إلى البيت الأبيض. «جوقة الردود» على التصويب السياسي والإعلامي على ترامب، جاءت بنبرة أعلى، وذات منحى هجومي لاذع، من جانب الوجوه المتشدّدة في صفوف الجمهوريين، والمحسوبة على معسكر «ماغا»، وعلى رأسهم عضوة الكونغرس عن ولاية جورجيا، مارجوري تايلور غرين، التي قالت إن «الديموقراطيين ووسائل الإعلام يكذبون باستمرار في شأن ما يقوله الرئيس ترامب، ذلك أنّهم يحرّفون عباراته وتعابيره الساخرة، بقصد اتهامه أمام الجمهور، بقول شيء لم يقصده»، بينما وضع السيناتور الجمهوري عن ولاية أوهايو، جي دي فانس، تعامل القنوات التلفزيونية والصحف الأميركية مع كلام ترامب في سياق ما سمّاه «الدعاية الكاملة» الموجّهة ضدّه، معتبراً أن «على وسائل الإعلام أن تخجل» بسبب سلوكها في هذا الخصوص. وما بدا لافتاً، هو تزامن تلك الحملة الديموقراطية مع تخفيف نائب الرئيس السابق، مايك بنس، من حدّة انتقاداته لترامب، حين أعرب، خلال مقابلة تلفزيونية أجراها قبل أيام، عن احترامه لخيارات الناخبين الجمهوريين في ترشيح ترامب، بعدما كان من أشدّ المعارضين لترشّحه، في مؤشّر وضعه محلّلون في إطار تركيز الجمهوريين على إظهار وحدة الحزب خلف مرشّحهم قبل انطلاق الانتخابات الرئاسية أواخر العام الجاري.