ترامب يرى أن اقتصادات دول الأطلسي انتعشت جراء خفض الإنفاق العسكري حتى باتت تنافس الاقتصاد الأميركي
وفي ذلك الخطاب، الذي كان عنوانه الأساسي «عادت أميركا»، برزت نزعتان أساسيتان، أولاهما «التهديد الروسي» الرامي إلى «إضعاف المشروع الأوروبي وحلف شمال الأطلسي»، وثانيهما إيران التي «تمارس سياسات مزعزعة للاستقرار». وليس من الصعب على المتتبّع أن يلحظ الارتباط الوثيق بين خطاب بايدن إلى مؤتمر 2020 ومحاور مؤتمر 2024، حيث المشكلة الكبرى تكمن في مسعى أميركي للمحافظة على بقاء الولايات المتحدة عائمة على سطوح السياسة والاقتصاد العالمييْن، ونظرة إلى كل القوى التي تعارض تلك الهيمنة على أنها «معادية لقيم الغرب الديموقراطي»، و«مزعزعة للاستقرار والسلم الدوليين». والمؤكد هو أن السعي والنظرة كليهما، كانت لهما تداعيات كبرى على امتداد المناطق الساخنة في العالم، وفي الذروة منها موقع إسرائيل في المنطقة، حيث استطاعت الأخيرة عبرهما أن تضرب عرضَ الحائط بكل القوانين والأعراف الدولية، وترمي وراء ظهرها كل مواقف المجتمع الدولي ومحاكمه، وهي تمضي في اجتراح سياسات وحروب تستمد «مشروعيتها» بالدرجة الأولى من أنها انعكاس لظل القوة الكبرى على الأرض، والتي لا تعلو إرادة فوق إرادتها. باختصار كان العنوان الآنف الذكر، «عادت أميركا»، ناقصاً، وما ينقصه عبارة يجب أن تليه: «نعم عادت، لكن العالم تغيّر».
يوم 11 شباط الجاري، أي قبيل أسبوع من انطلاق المؤتمر، قال الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، في تجمع انتخابي، بالحرف، إنه سيشجع «روسيا على فعل ما تريد بدول حلف الأطلسي التي لا تنفق ما يكفي على الدفاع»، وكان هذا التصريح كافياً ليرخي بظلاله الثقيلة على المجتمعين في ميونيخ، لكنه يتساوق بالتأكيد مع شعار «أميركا أولاً» الذي صبغ سنوات حكم ترامب الأربع، فضلاً عن أنه ينطلق من جدلية العلاقة ما بين الجيوسياسي والاقتصادي: أيهما يجب أن يتقدّم على الآخر. ومن المؤكد أن ترامب كان يرى، حين قال ما قاله، إن اقتصادات دول الأطلسي انتعشت جراء خفض الإنفاق العسكري حتى باتت تنافس الاقتصاد الأميركي، في وقت يخوض فيه هذا الأخير معركة المحافظة على الصدارة العالمية. لكن غير المتساوق هنا، أن يذهب «الكل» إلى الاستثمار في الحدث بشكل داعم لموقف بايدن الانتخابي، والذي تشير الاستطلاعات راهناً إلى تراجعه بشكل لافت. ومثل ذلك الفعل يُوصف في الأدبيات الأميركية على أنه تغليب للخارجي على الداخلي، الأمر الذي أثيرت حوله ضجة كبرى في انتخابات 2016 و2020، لكن الجديد في الأمر هنا أن «يستسيغ» بايدن تدخلاً كهذا، بل وأن يظهر في موقع «المستقوي به».
هذا يشير إلى أن أميركا تغيّرت أيضاً، وليس فقط هو العالم الذي تغيّر.