وتجلّى العامل الثالث في عدم إغفال لولا التأكيد أن بلاده تسعى إلى إيجاد بديل عن الدولار في مجال التجارة الدولية، خصوصاً من خلال دعم آلية مجموعة «البريكس» (تضمّ: البرازيل، الصين، الهند، جنوب أفريقيا وروسيا)، كقوّة موازنة للنظام الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة. وخلال مراسم تنصيب الرئيسة البرازيلية السابقة، ديلما روسيف، رئيسة لـ«بنك تنمية دول البريكس»، والذي عُقد في شنغهاي، دعا لولا المجموعة إلى ابتكار عملة بديلة لاستخدامها في التجارة بدلاً من الدولار، قائلاً: «كل ليلة أسأل نفسي لماذا تتداول كل الدول على أساس الدولار». واللافت هنا، أنه قبل حصول الزيارة بحوالى أسبوعين فقط، أعلنت الصين والبرازيل «بدء استخدام عملتَيهما بالتجارة المحلية». وفي هذا السياق، نقل مركز «أتلانتيك كاونسيل» عن الباحثة فالنتينا سادر، قولها إن دعوة لولا إلى إنهاء هيمنة الدولار على التجارة العالمية خلال زيارته إلى الصين، هدفها «تدويل اليوان». ولكنها، وفق الباحثة، «لن تحقّق الكثير، على الأقل في المستقبل المنظور». مع ذلك، فإنها «تزيد من فرص بكين في استخدام عملتها دولياً»، بعدما احتلّ اليوان «المركز الثاني لأكبر عملة احتياطية في البرازيل، إذ بلغ 5.37% من حيازات النقد الأجنبي، خلال العام الماضي».
أنهى الرئيس البرازيلي فعلياً أيّ احتمال لأن تصبح بلاده ضمن ترتيبات معادية للصين في المستقبل
أما العامل الأخير، فقد ظهر في تصريحات لولا حول الحرب الأوكرانية، إذ اعتبر أنّه يتعيّن «على الولايات المتحدة أن توقِف تشجيعها، وأن تبدأ بالحديث عن السلام، كما يجب أن يبدأ الاتحاد الأوروبي بالحديث عن السلام أيضاً». كذلك، أثار شي ودا سيلفا مخاوف في شأن كيفية تأثير الصراع في أوكرانيا على الجنوب العالمي، خصوصاً لناحية تعطيل هذه الحرب سلاسل التوريد العالمية، وتسبُّبها في تقلُّب أسعار السلع الأساسية. وكان لولا قد اقترح، بعد تنصيبه في كانون الأول الماضي، إنشاء «نادي سلام» مع دول مثل الهند وإندونيسيا للتوسّط في إنهاء الحرب الأوكرانية.
على أنّ هذه المواقف ليست مستهجنة؛ فمنذ وصول لولا إلى السلطة للمرّة الأولى في عام 2003، تبنّى سياسات مماثلة لتلك التي ينادي بها الآن، من الدعوة إلى التخلّص من الدولرة في التجارة العالمية، إلى تعميق الشراكة مع الصين وغيرها من المواقف التي تهدف إلى إنهاء الأحادية القطبية. وقد تكون حصيلة زيارته إلى الصين استكمالاً لهذا السياق، إذ رأت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، أن الزعيم الصيني ونظيره البرازيلي «قد اتّخذا وضعية موحّدة في تحدٍ للسياستَين الخارجية والتجارية للولايات المتحدة»، وأضافت أن «هذا الأمر زاد من ثقل بكين في مواجهة ما تعتبره احتواءً بقيادة واشنطن». ولفتت الصحيفة إلى أنّه، وعلى عكس بولسونارو وموقفِه المؤيد لواشنطن، «استخدم دا سيلفا رحلته للدفع من أجل دور أكبر للصين والبرازيل في البنية التحتية الاقتصادية العالمية»، في إشارة إلى حديث الرجل حول الهيمنة العالمية للدولار الأميركي. أما الكاتب في مجلة «ذا ديبلومات» الأميركية، هينوخ غابرييل ماندلباوم، فقد رأى أنّ لولا دا سيلفا، ومنذ تنصيبه، عاد إلى اعتماد السياسة الخارجية ذاتها التي اعتمدها في السابق، بين عامَي 2003 و2011، أي تنويع الشركاء التجاريين والتحالفات مع الدول النامية، وذلك بهدف الحدّ من التفاوتات في مواجهة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بينما تصبح البرازيل جزءاً من الدول المناهضة للهيمنة، وقوّة تدفع نحو نظام دولي متعدّد الأقطاب. وأضاف الكاتب أن لولا، بزيارته إلى الصين، أرسل رسالة ضمنية إلى الولايات المتحدة، حين أعلن أن «أحداً لن يمنع تعزيز العلاقات بين البرازيل والصين»، في إشارة إلى أن الدولة اللاتينية لا تريد الانخراط في التنافس العالمي المتصاعد بين واشنطن وبكين. بالتالي، فقد أنهى الرئيس البرازيلي فعلياً أيّ احتمال لأن تصبح بلاده ضمن ترتيبات معادية للصين في المستقبل.