لطالما اتّسم الصينيون بالانتهازية، واستثمروا الجهود الأميركية الحثيثة لتقوية السعودية لتصبح في وضع يسمح لها بمقاومة الجماعات المحسوبة على إيران في اليمن والعراق وسوريا. وإذ عبّدت الولايات المتحدة الطريق للتقارب السعودي - الإيراني، إلّا أن الصينيين هم من قصّوا الشريط.
جاءت الصين لتحصد كل جهود حسن النيّة الأميركية
بدأت المحادثات السعودية - الإيرانية السرية قبل عامَين في بغداد، برعاية رئيس الوزراء العراقي السابق، مصطفى الكاظمي، شريك الولايات المتحدة. وعُقدت بعض المحادثات في عُمان، الحليفة لأميركا. واتّفق الممثّلون السعوديون والإيرانيون، بعد ستّ جولات تفاوضية، على خريطة طريق تقود إلى استئناف العلاقات بين الدولتَين. واشترطت المملكة قبل إعادة فتح سفارتها لدى إيران، أن تعترف هذه الأخيرة بدورها في دعم الحوثيين، وأن تعمل على الحدّ من هجماتهم على الأراضي السعودية. كذلك، أرست واشنطن الأسس لتسوية الحرب المروّعة في اليمن، إذ ساعد المبعوث الأميركي إلى هذا البلد، تيم ليندركينغ، في التفاوض على وقف إطلاق النار، في نيسان من العام الماضي.
ثمّ جاءت الصين لتحصد كل جهود حسن النيّة الأميركية. وعندما زار شي السعودية، في كانون الأول الماضي، تعهّد باستخدام تأثير بلاده على إيران لإتمام الصفقة. وحين التقت الأطراف الثلاثة في بكين هذا الشهر، اعترف أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، بدعم إيران للحوثيين، وتعهّد، بحسب مصدر مطّلع، بوقف إرسال الأسلحة إليهم، وبأن بلاده لن تهاجم المملكة مباشرةً، أو عن طريق وكلائها.
وبعد شهرين من الآن، وعلى افتراض أن الإيرانيين سيكبحون الحوثيين وسيحدّون من نشاطاتهم، سيُعاد فتح السفارتَين في الرياض وطهران. وإلى ذلك الحين، يمكن المبعوث الأميركي التفاوض على اتفاق لتسوية الحرب في اليمن. ولكن «الفيل في الغرفة» يظلّ هو البرنامج النووي الإيراني. فمع انهيار الاتفاق النووي عام 2015، زادت إيران من عمليات تخصيب اليورانيوم. ويقول الخبراء إنها قد تقوم باختبار أسلحة نووية بسيطة خلال أشهر، لو أرادت ذلك. وهنا، تعرف إيران أنها تقترب من الحافة، فقد تعهّدت بأنها ستسمح لمفتّشي «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» باستئناف عمليّات التفتيش في منشآتها النووية.
من جهتها، تغازل الإمارات العربية المتحدة الصين أيضاً، لكنها تحافظ على علاقتها الدفاعية مع الولايات المتحدة - وتسوّي الخلافات الإقليمية مع قطر وتركيا وليبيا. لقد تحوّلت الإمارات من «أسبرطة الصغيرة»، كما أطلق عليها وزير الدفاع (الأميركي) السابق، جيمس ماتيس، ذات مرّة، إلى «سنغافورة الصغيرة».
عندما كان الشرق الأوسط منطقة هيمنة أميركية، شجّع ذلك السياسات الصدامية، ولم يكن مستقراً أبداً. في المقابل، فإن شرق أوسط متعدّد الأقطاب، بعمليات تحوّط وتوازن مستمرّة، سيجلب معه مخاطر، ولكنّه سيفتح المجال أمام قواعد لعب جديدة، كما يقول كيسنجر.
(ديفيد إغناطيوس، صحيفة «واشنطن بوست»)