أضحى الحضور الإيراني في جنوب القارّة الأميركية، في الآونة الأخيرة، همّاً شاغلاً للولايات المتحدة، على رغم ما يكتنفه الحديث عن هذا الحضور من تضخيم، وصل إلى درجة حديث بعض وسائل الإعلام الأميركية عن سعي إيران لإنتاج صواريخ على الأراضي الفنزويلية. على أن التململ الأميركي من التسلّل الإيراني لم يمنع بعض دول أميركا اللاتينية، وخصوصاً تلك التي تسيطر عليها حكومات يسارية التوجّه، من الاستمرار في تعميق علاقاتها مع طهران، في مجالات عدّة، من بينها العسكري. وفي هذا المجال، سمحت بنما، أخيراً، للمرّة الأولى، بعبور سفينتَين عسكريّتَين إيرانيّتَين، هما: «دينا» (فرقاطة من طراز «موج»)، و«ماكران» (ناقلة نفط خام سابقة تحوّلت إلى حاملة طوّافات، وتُعدّ أكبر قطع البحرية الإيرانية)، قناتها الشهيرة، في ما يمثّل، وفق محلّلين، تجاوباً مع محاولة الجمهورية الإسلامية تحدّي هيمنة أميركا في محيطها، ويستثير تحذيرات من مغبّة «التساهل» مع خطوة كهذه كونها ستشجّع طهران على تكرارها، بحسب ما أنبأ به، مثلاً، حديث وكالة «إيرنا» الإيرانية الرسمية عن أن «إرسال السفينتَين إلى المياه اللاتينية، لا ينفصل عن الوجود العسكري الإيراني في المياه الدولية، لحماية مصالح البلاد». والسفينتان المُشار إليهما تنتميان إلى الأسطول «رقم 86»، وهو واحد من ثلاثة أسراب تنشرها إيران حالياً في المياه الدولية، وتضمّ أيضاً الأسطول «رقم 88» في المحيط الهندي، والأسطول «رقم 89» في المحيط الهادئ.ويرى جوزف همير، المحلّل في مركز أبحاث «مجتمع آمن»، أن «خطط إيران في بنما تُعدّ جزءاً من حملتها المستمرّة لتثبيت حضورها في الفناء الخلفي للولايات المتحدة»، واستمراراً «لِمَا كانت تبْنيه في دول أميركا اللاتينية على مدار الثلاثين أو الأربعين عاماً الماضية»، من خلال الزيارات والاتّفاقات الثنائية التي أبرمتْها مع مجموعة من دول جنوب القارة، وهو ما يضع أميركا أمام تحدٍّ جديد هناك، ولا سيما مع ازدياد «أصدقاء» طهران في تلك المنطقة. وكان وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، قد أجرى، في شباط الماضي، جولة في أميركا الجنوبية، شملت كلّاً من نيكاراغوا، فنزويلا وكوبا. وفي الأشهر الأخيرة أيضاً، وقّعت إيران ونيكاراغوا اتّفاقات للتعاون في قطاعَي الطاقة والزراعة، فضلاً عن تصدير الأغذية والأدوية وتبادل البعثات التعليمية. وفي أيار من العام الماضي، تعهّدت طهران بتزويد ماناغوا بالوقود، والمشاركة في التنقيب عن النفط، والاستثمار في مصافي هذا البلد، لتحييد آثار العقوبات الأميركية والأوروبية. وينسحب ما تَقدّم أيضاً على كوبا وبوليفيا، اللتَين وقّعتا عدداً من الاتفاقات الاقتصادية مع إيران. كذلك، حضر نائب الرئيس الإيراني، محمد حسيني، في آب الماضي، حفل تنصيب الرئيس الكولومبي، غوستافو بيترو، حيث التقى في المناسبة نفسها وزير الخارجية البرازيلي، كارلوس ألبرتو فرانكو فرانكا، الذي قال آنذاك: «نحن مصمّمون على تعزيز علاقاتنا مع الجمهورية الإسلامية في مجالات مختلفة، بما فيها السياسية والاقتصادية».
أُعلن قبل يومين عن ترجمة أوّل كتب الخامنئي، «الزنزانة الرقم 14»، إلى اللغة الإسبانية


وتُعدّ العلاقات الإيرانية مع فنزويلا هي الأوثق في هذه المنطقة، كونها تعود إلى بداية عهد الرئيس الراحل، هوغو تشافيز. وقد أدّى الضغط الدولي المتزايد على كلتَيهما إلى توسيع شبكة التعاون الاقتصادي في ما بينهما، بهدف التغلُّب على العقوبات الأميركية. وركّز هذا التعاون خصوصاً على التجارة، بما في ذلك العديد من المشاريع والاستثمارات في مجالَي الطاقة والنفط. وكانت فنزويلا، التي تمتلك أكبر احتياطات الخام في العالم، قد واجهت سابقاً صعوبة في إنتاج البنزين والديزل، بسبب تعطُّل مصافي النفط بفعل العقوبات الأميركية عليها، ما حدا بإيران إلى إيفاد مهندسين وقطع غيار ومواد أوليّة لإعادة تشغيل مصافي النفط الفنزويلية القديمة. أيضاً، أرسلت طهران عدّة سفن محمّلة بمشتقّات النفط إلى كاراكاس في تحدٍّ واضحٍ للعقوبات الأميركية. والعام الماضي، وقّع البلدان اتّفاق تعاون استراتيجي مدّته 20 عاماً، أظْهر المستوى الذي بلغتْه الصِلات العميقة بينهما.
إزاء ذلك، لا ينكر «المعهد الجمهوري الدولي» الأميركي أن هناك «أنظمة استبدادية تسعى إلى توسيع مجالات نفوذها بشكل متزايد، مِن مِثل الصين وروسيا وإيران». ووفق كاتبته، مكيلا سوان، في مقال نُشر قبل أشهر، فإنه «على مدى العقود القليلة الماضية، تغلغلت طهران بهدوء في منطقة أميركا اللاتينية والكاريبي، متّبِعةً استراتيجية فريدة»، تقوم «على تعميق الشراكات السياسية، خلافاً لسياسة الصين التوسّعية المتحدّية النظام الليبرالي الذي تقوده الولايات المتحدة، أو استراتيجية روسيا الانتهازية». وإذ لفتت سوان إلى أن تعزيز هذه العلاقات كان متدرّجاً، فهي نوّهت بشموله المجال الثقافي، ولا سيما أن إيران قامت بإنشاء أكثر من 80 مركزاً ثقافياً في منطقة أميركا اللاتينية والكاريبي، فيما بدا لافتاً إعلان صفحة المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، علي الخامنئي، على «تويتر»، قبل يومَين، ترجمة أوّل كتبه، «الزنزانة الرقم 14»، إلى اللغة الإسبانية.