الرؤساء الأميركيون عجزوا عن ممارسة تأثير كبير على أسعار النفط، إلّا من خلال العلاقة مع كبار المنتجين
ولأن الارتفاع الكبير في الأسعار، المسجَّل راهناً، مستمرّ منذ أشهر طويلة وإنْ بتفاوت، مُنهِكاً الاقتصاد العالمي، ومُحدِثاً تضخماً كبيراً في كلّ أنحاء العالم، فبلا شكّ، سيكون ابن سلمان والرئيس الروسي فلاديمير يوتين، قد نجحا في ممارسة تأثير كبير على نتيجة الانتخابات النصفية، إذا أظهرت انتهاء سيطرة الديموقراطيين على مجلسَي الكونغرس أو أحدهما على الأقلّ. ومع ذلك، لم يكن وليّ العهد السعودي ليستطيع معاندة الإدارة الأميركية لولا أنه يحظى برعاية بنيامين نتنياهو وحلفائه في اليمين الإسرائيلي المتطرّف الذين استولوا على السلطة أخيراً، بالإضافة إلى الجمهوريين في أميركا. ولعلّ الصورة التي نشرها خالد الجبري، نجل المعارض السعودي، سعد الجبري، وجمعت قبل فترة قصيرة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ومحافظ «صندوق الاستثمارات السعودي»، ياسر الرميّان، رجل ابن سلمان، تفضح التدخّل السعودي المطلوب جمهورياً في الانتخابات الأميركية، وربّما بالمال، باعتبار أن الصندوق المُشار إليه هو الذي استثمر مليارَي دولار في صندوق استثمار حديث النشأة يديره صهر ترامب، جارد كوشنير، على خلاف رأي الهيئة الاستشارية لدى الأوّل.
ولم تكتفِ السعودية بخفض إنتاج النفط، وإنّما كشَف إعلامها أن بايدن طلب منها تأجيل قرار الخفض لمدّة شهر لتمرير الانتخابات النصفية، وهو ما تلقّفه الجمهوريون لاتّهام الرئيس باستدعاء تدخّل أجنبي في الانتخابات. وحتى اللحظة الأخيرة، سعى الرجل إلى إعدام أيّ فرصة للديموقراطيين للسيطرة على المجلسَين، إذ تُوّجت سلسلة الارتفعات التي سُجّلت في أسعار النفط منذ قرار «أوبك بلس» خفْض الإنتاج بواقع مليونَي برميل يومياً، في مطلع تشرين الأول الماضي، بزيادة 5%، يوم الجمعة الماضي وحده، وصولاً إلى عتبة 93 دولاراً لخام غرب تكساس الوسيط، وما يَقلّ قليلاً عن 99 دولاراً لخام برنت. وحتى على المستوى الداخلي الأميركي، تبدو شبكة المصالح النفطية المتحالفة مع الجمهوريين بوجه عام، ذات تأثير ما على ارتفاع الأسعار، وإنْ لم يكن بالمستوى ذاته الذي تملكه الدول المنتِجة. وهذا سبب التوتّر الذي ظهر أخيراً بين بايدن وبين كبريات شركات النفط، إلى الحدّ الذي دفعه إلى تهديدها برفع الضرائب عليها إذا لم ترفع مستويات إنتاجها لتعويض النقص، على رغم قدرتها المحدودة على التعويض. فالولايات المتحدة تتّجه، بحسب إدارة معلومات الطاقة الأميركية، إلى تحقيق معدّل إنتاج يبلغ 11.8 مليون برميل يومياً في عام 2022، وهو أقلّ بنصف مليون برميل عن المعدّل اليومي الذي سُجّل عام 2019.
قد يكون بايدن، على رغم الانطباع المأخوذ عنه بأن حركته بطيئة، واحداً من أكثر الرؤساء الأميركيين الذين عملوا داخلياً وخارجياً لكبح أسعار النفط؛ إذ أفرج عن كمّيات كبيرة من المخزون الاستراتيجي، بعدما فشلت جهوده في إقناع ابن سلمان بزيادة الإنتاج، على رغم تنازله له من خلال زيارته في جدة. لكنّ العجز الذي أصابه، كما أصاب غيره من الرؤساء من قَبل في مواجهة هذا السلاح الماضي، سيضع ابتداءً من اليوم مصيره الشخصي على المحكّ، حيث ستزداد، في حال تَحقّقت الخسارة المتوقّعة للديموقراطيين، مهمّاته صعوبة في تشكيل السياستَين الداخلية والخارجية في المرحلة المقبلة، ما يفتح الطريق أمام إزاحته كمرشّح طبيعي للديموقراطيين في انتخابات الرئاسة عام 2024.