تُنبئ استطلاعات الرأي بأن اليمين سيكون سيّد الساحة في انتخابات «الكنيست» الإسرائيلي الخامسة والعشرين، المزمع إجراؤها أوّل الشهر المقبل. وإذ لا يبدو ذلك مفاجئاً بفعل المدّ اليميني واليميني المتطرّف المتواصل في إسرائيل، فإن السؤال الرئيس الذي يشغل بال المراقبين هو ما إذا كان رئيس الحكومة السابق، بنيامين نتنياهو، سيعود مجدّداً إلى سدّة الحُكم. والجدير ذكره، هنا، أنه منذ انتخابات نيسان 2019، أقلع المحلّلون عن توزيع أعضاء «الكنيست» ما بين خانات اليمين والوسط واليسار، واعتمدوا تصنيفهم بحسب الموقف من نتنياهو، الذي أصبح بقاؤه في السلطة - في نظر خصومه - السبب الرئيس في تفاقُم الأزمة السياسية. ولا يستثني هذا التصنيف الأحزاب العربية، منذ أن دخلت «القائمة المشتركة» على خطّ التوصية ببني غانتس كمرشّح لتشكيل الحكومة (2020)، ولاحقاً بيائير لابيد (2021)، درءاً لخطر عودة نتنياهو ومعسكره إلى السلطة، ومن ثمّ انضمام «القائمة الموحّدة» إلى الائتلاف الحكومي بقيادة نفتالي بينيت ولبيد. لا يعني ما تَقدّم أن «معسكر نتنياهو» يختزل خريطة اليمين واليمين المتطرّف في المشهد السياسي - الحزبي في دولة الاحتلال. ذلك أن الأحزاب الثلاثة التي انضمّت إلى خصومه وتَسبّبت بسقوطه العام الماضي، إنما تُمثّل «عتاولة» اليمين المتطرّف، بدءاً من حزب «أمل جديد» برئاسة «الليكودي» المنشقّ جدعون ساعر، مروراً بحزب «إسرائيل بيتنا» برئاسة أفيغدور ليبرمان السبّاق في الدعوة إلى ترحيل الفلسطينيين من أرضهم وأملاكهم في المثلث والجليل، وصولاً إلى «يمينا» برئاسة بينيت المعتزل، وهو من تيّار «الصهيونية الدينية» وقد تموضع طيلة الوقت على يمين نتنياهو، مُزايِداً عليه في جميع القضايا التي تنتهك الحقوق الفلسطينية. ومثّلت هذه الأحزاب «حجر الرحى» في تشكيل ما سُمّي «حكومة التغيير»، وقد أمسكت بقرارات الحكومة السياسية والأمنية بعدما فرض رئيس «يمينا» نفسه على رأس الائتلاف، بل يمكن القول إن ممارسات هذا الأخير ضدّ الفلسطينيين لم تقلّ فتكاً عن سابقاتها في عهد نتنياهو، وهو ما يدلّ عليه مثلاً استشهاد 165 فلسطينياً، بينهم 34 طفلاً، برصاص قوات الاحتلال منذ مطلع العام الجاري.
على مشارف الانتخابات الجديدة، أحكم نتنياهو قبضته على حزبه، بعد حملة تحريض شَنّها على ثلاثة من قيادات أساسية للحزب، سبق لها أن عبّرت عن طموحها إلى منافسته على رئاسة «الليكود» (يسرائيل كاتس، يولي إدلشتاين ونير بركات)، إذ اتَّهم هؤلاء بالتخطيط لتشكيل كتلة برلمانية من 7 نواب تمهيداً للانشقاق عن الحزب بعد الانتخابات، والخوض في مساومة مع خصومه في حال تبيَّن عجزه عن تشكيل حكومة. وأدّت تلك الحملة إلى احتلال المذكورين مواقع متأخّرة على القائمة «الليكودية» في الانتخابات التمهيدية، فيما سيطر على المواقع المتقدّمة مَن هم أكثر ولاءً لنتنياهو، إلى حدّ دفع محلّلين إلى توصيف الحزب بعد هذه «الترتيبات» بـ«حزب الرجل الواحد». وعلى صعيد تعزيز فُرص معسكره في الانتخابات، منع نتنياهو، المتطرّف إيتمار بن غفير، من الانشقاق عن حزب «الصهيونية الدينية» برئاسة بتسلئيل سموتريتش، وخوض الانتخابات بقائمة «قوّة يهودية»، وأجبره على العودة إلى القائمة الموحّدة، وخاصة أن استطلاعات الرأي منحت الأخيرة 12 مقعداً، مقابل 6 هي حصّتها في «الكنيست» الحالي.
على مشارف الانتخابات الجديدة، أحكم نتنياهو قبضته على حزبه


مع ذلك، لم تنتهِ مشاكل نتنياهو الطامح بقوّة إلى العودة إلى رئاسة الحكومة. ففي ظلّ وقوف معسكره عند عتبة الـ60 نائباً - بحسب الاستطلاعات -، وعجز خصومه أيضاً عن تحقيق أغلبية، تحدّث موقع «زمان يسرائيل» (30/9) عن مبادرة يدفع في اتّجاهها عدد من قيادات «الليكود»، وبموجبها يبقى نتنياهو رئيساً للحزب، لكن لا يشارك في «حكومة وحدة» يشكّلها الأخير مع تحالف «المعسكر الوطني» (أزرق أبيض + أمل جديد) الذي يرأسه غانتس، ويجري التناوب على رئاستها بين عضو كنيست من «الليكود» يختاره نتنياهو، وبين غانتس. وبرأي أصحاب تلك المبادرة، فإن «هذا هو الحلّ الأفضل، فلا أحد يريد انتخابات سادسة، ونتنياهو نفسه لا يريد أن تكون الانتخابات المقبلة بسببه». لكنّ منافس زعيم «الليكود» داخل الحزب، نير بركات، ذهب إلى أبعد من ذلك، مطالِباً بإجراء انتخابات داخلية في حال الفشل في الحصول على 61 مقعداً، مفترِضاً والحال هذه ألّا يُرشّح نتنياهو نفسه لرئاسة «الليكود». لكنّ نتنياهو سرعان ما أعلن رفضه الأفكار المتقدّمة، معتبراً إيّاها استمراراً للمؤامرات ضدّه، وهو ما لا يبدو مستغرَباً، بالنظر إلى ما وجده الرجل في سقوط حكومة بينيت - لبيد من فرصة ذهبية كي يثأر لنفسه، ويتابع استكمال تنفيذ مشروعه السياسي ــ الاقتصادي، علماً أنه سبق له أن قدّم مبادرات «وحدة» مع الكثير من خصومه، لكن ضمن شروطه، وأوّلها أن يكون هو على رأس الحكومة، كما حصل في اتّفاقه عام 2020 مع «أزرق - أبيض»، برئاسة غانتس. ومن هنا، يتوقّع محلّلون أن يسعى نتنياهو إلى إغراء نوّاب من صفوف خصومه للانضمام إلى معسكره، مستخدماً خبرته المديدة في المناورة وخلط الأوراق، ومستعيناً بخوف الكثيرين من اللجوء إلى انتخابات سادسة.