طهران | يبدو أن الأزمة الأوكرانية بدأت تُلقي بظلالها فعلاً على محادثات إحياء الاتفاق النووي الجارية في فيينا، بالتوازي مع تصعيد النزاع الدائر بين روسيا والغرب. وتجلّت تلك التأثيرات، بوضوح، في إعلان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أول من أمس، أن «موسكو طلبت من واشنطن ضمانات، قبل إعادة العمل بالاتفاق بشأن برنامج إيران النووي». وفي مؤتمر صحافي، قال لافروف الذي طاولته عقوبات واسعة مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على خلفية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا: «طلبنا من زملائنا الأميركيين تقديم ضمانات مكتوبة، بأن العقوبات لن تؤثّر في حقّنا في التعاون الحرّ والكامل مع إيران، تجارياً واقتصادياً واستثمارياً وتقنياً وعسكرياً». وردّت وزارة الخارجیة الأميركية على ذلك التصريح بأن «العقوبات الجديدة على روسيا، لا علاقة لها بخطّة العمل المشترك الشاملة، ولا يجب أن تؤثّر على التنفيذ المحتمل لها». وأضافت أنه «في ما يخصّ هذه الخطّة، فإنّنا سنواصل التعاون مع روسيا»، لافتة إلى أن «موسكو لديها مصالح مشتركة بشأن التأكّد من أن طهران لن تحصل على السلاح النووي أبداً». وإذ لم يُفصح وزير الخارجية الروسي عمّا قد تقوم به بلاده في حال عدم تلقّيها الضمانات الخطية المطلوبة، إلّا أن المؤكّد أن تصريحاته أقحمت عنصراً جديداً في مشهد إحياء الاتفاق النووي، ربّما يؤدّي إلى تعقيدات إضافية على مسار التوصّل إليه. وممّا يعزّز هذا الاحتمال هو ما أفادت به مصادر في إيران من أن الطرف الصيني المشارك في محادثات فيينا أثار طلباً مماثلاً لدى أميركا، ودعا إلى تقديم ضمانات للعلاقات الاقتصادية مع إيران، في فترة ما بعد إعادة العمل بالصفقة النووية.
لا تزال بعض المصادر المقرّبة من السلطة في إيران متشائمة إزاء ما يجري في فيينا

في غضون ذلك، اتفقت إيران و»الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، خلال زيارة المدير العام للوكالة، رافاييل غروسي، لطهران أول من أمس، على وضع خارطة طريق لتسوية الخلافات العالقة. وتأسيساً على البيان المشترك الصادر عن الطرفين، فإن طهران «مكلّفة بتقديم إيضاحات على تساؤلات الوكالة، قبل 20 آذار 2022 كحدّ أقصى». وأشار البيان إلى أن «هذه الأسئلة تغطّي المواضيع المتّصلة بثلاثة مواقع لم تتطرّق إليها إيران سابقاً». وستقوم «الوكالة الدولية»، بعد أسبوعين من تلقّيها هذه الإيضاحات، بدراسة الأجوبة الإيرانية، وإعادة إرسال أسئلة بشأنها إلى «مؤسسة الطاقة الذرية الإيرانية»، على أن يعمد غروسي، في خاتمة المطاف، إلى تقديم استنتاجاته إلى مجلس محافظي «الوكالة الدولية» في حزيران المقبل. وكانت تقارير أفادت بأن مفتشي الوكالة حدّدوا أربعة مواقع «مشتبه فيها» في إيران، أحدها في تورقوز أباد في ضواحي طهران. لكنّ البيان المشترك لم يشِر إلى تلك المواقع، الأمر الذي يشي بأن الطرفين قد يكونان توصّلا إلى اتفاق حول إحدى القضايا التي تجري مناقشتها. والجدير ذكره، هنا، أن إغلاق ملف إيران لدى «الوكالة الدولية»، فضلاً عن رفع مجمل العقوبات، وكذلك تقديم الضمانات، كلّها مسائل تمثِّل الشروط الإيرانية الثلاثة لإحياء «خطّة العمل المشترك الشاملة». وبالتالي، يبدو أنّه في ظلّ الاتفاق بين طهران والوكالة، قد جرى اتّخاذ خطوة أخرى على طريق إحياء الخطة.
مع ذلك، لا تزال بعض المصادر المقرّبة من السلطة في إيران متشائمة، إزاء ما يجري في فيينا، إذ كتبت صحيفة «كيهان» المحسوبة على مكتب المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، أمس، أن «نتائج الجولة الثامنة من المحادثات النووية بين إيران ومجموعة 1+4، لا يزال يكتنفها الغموض». وأضافت أن «بعض الأخبار والتكهّنات تشير إلى أن الأطراف الغربية تمارس الضغط على الفريق الإيراني المفاوِض لتخييره بين عدم الاتفاق، أو الاتفاق السيّئ؛ وهو الاتفاق الذي تريد تحقيقه أميركا وأوروبا». وأكّدت الصحيفة أن الجمهورية الإسلامية لن ترضخ في هذه الحقبة من حياتها للمساومة تحت الضغوط الغربية، معتبرة أنّه «إن كان مقرّراً الاختيار بين الاتفاق السيّئ وعدم الاتفاق، فإن الخيار الثاني سيمثّل بالتأكيد الخيار الأمثل، لأن إحياء الاتفاق النووي من دون رفع العقوبات، سيكون محض خسارة». وفي سياق متصل، لفت عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان، أبو الفضل عمويي، إلى أنه «على الرغم من إعداد النص الرئيس للاتفاق المحتمل، لا يزال هناك خلاف حول موضوع أو موضوعَين». وتحدّث عمويي عن تصريح وزير الخارجية الروسي بشأن تلقّي ضمانات من الولايات المتحدة، موضحاً أن «النقطة التي أثارها الجانب الروسي، أخيراً، هي مطلب روسي من أميركا، وطهران لم تتقدّم بأيّ طلب في هذا الصدد». وأضاف أن هذه «قضية يجب على موسكو وواشنطن حلّها في ما بينهما، لأنّها متعلّقة بالعلاقات الثنائية بين البلدين».