رغم تصعيدها استراتيجيتَها الهجومية، في مجال السايبر، ضدّ إيران، تتعاظم مخاوف إسرائيل من تداعيات هذه الحرب عليها. مردّ هذا أن الكيان العبري يعتمد بشكل كبير على الحوسبة، ويُعدّ متطوّراً تكنولوجياً، ممّا يعني أنه متخَم بالأهداف التي يمكن قرصنتها. هكذا، تبدو إسرائيل أقرب إلى «جنّة بالنسبة إلى المهاجمين الذين يسعون ليحصلوا على المعلومات أو يلحقوا الأضرار» بالكيان، كما يقول المحلّل العسكري لصحيفة «إسرائيل اليوم»، يؤاف ليمور، في مقاله قبل أيام. إزاء ذلك، قرّرت تل أبيب، في محاولة منها لوقف البرنامج النووي، تكثيف هجماتها بهدف تعطيل الحياة اليومية للمواطن الإيراني العادي، وهو ما عبّر عنه مسؤول إسرائيلي رفيع، في حديث إلى صحيفة «هآرتس»، بالقول إن «إسرائيل حدّدت هدفاً جديداً في إيران يتمثّل في استهداف جودة حياة الطبقة العليا (قشدة طهران)»، بهدف تأليبها على النظام، ودفْع الأخير إلى التخلّي عن هدف إنتاج سلاح نووي، وتحويل تلك الأموال لمصلحتها. وفي هذا الإطار، يلفت المحلّل العسكري لصحيفة «معاريف»، تال ليف رام، إلى أن «إسرائيل وجهاز الأمن فيها خلُصا إلى أن المسّ بنمط الحياة الطبيعي للطبقة الوسطى المتعلّمة في إيران، والتي تضرّرت جودة حياتها كثيراً في السنوات الأخيرة، قد يخلق ضغطاً على الحُكم ويُغيّر سُلّم الأولويات والاستثمار في المشروع النووي». إلّا أن أجهزة العدو الأمنية تُدرك، باعتراف رام، أنه «رغم العقوبات الشديدة التي فُرضت على إيران في السنوات الأخيرة، والتوتّرات والمصاعب الداخلية، ينجح النظام في إيران في الحفاظ على استقرار سلطوي، وفي جهاز الأمن لا يلاحظون في هذه المرحلة احتمال عصيان مدني ذي مغزى». وتجلّى الارتقاء الإسرائيلي في الحرب السيبرانية، أخيراً، في الهجوم الذي شنّه العدو قبل أشهر على شبكة المترو في طهران، ما أدّى إلى تعطّلها، فضلاً عن تعرّض محطّات الوقود نهاية الشهر الماضي لهجوم سيبراني تسبّب بإيقاف ما يقارب 4 آلاف محطّة. لكن وعلى رغم الإصرار الإسرائيلي على تفعيل تلك السياسة والمُضيّ فيها، إلّا أن أغلب المحلّلين العسكريين يشكّكون فيها، معتبرين التبجّح بالهجمات السيبرانية ضدّ إيران عديم الجدوى، وأن استهداف الطبقة الوسطى لن ينعكس سلباً على النظام. وفي هذا السياق، نبّه عضو «الكنيست» السابق، عوفر شيلح، في مقال في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، إلى أن «ضغوطاً مثل هذه تدفع الناس فقط ليتكاتفوا معاً، وبالتأكيد هذا ما سيحصل في إيران، الدولة ذات الإحساس التاريخي، العزّة الوطنية، والنظام الذي عينه مفتوحة ويده ثقيلة. لم تُخضع عقوبات ترامب إيران؛ فلماذا يعتقد أحد ما بأن طوابير الوقود ستفعل ذلك؟». ولفت شيلح إلى أن «الجمهور الإسرائيلي لا يقلّ دلالاً عن النخبة الإيرانية، ولكن إذا ما شلّت عملية سايبر ذكية من الإيرانيين أو من الفلسطينيين، آلة القهوة في شمال تل أبيب، فسيكون هناك احتجاج ضدّ سياسة إسرائيل في المناطق (الضفة المحتلة)».
ثمّة خشية إسرائيلية من أن تتسبّب الهجمات الإيرانية بإحداث شلل كبير في المُقدّرات الاقتصادية والتقنية


القناعة بأن الهجمات السيبرانية لن توقف البرنامج النووي الإيراني، عبّر عنها، أيضاً، المحلّل العسكري لصحيفة «إسرائيل اليوم»، آيال زيسر، بقوله إن الضربات الإلكترونية الإسرائيلية تؤدّي إلى «تأثّر البرنامج، دون إلغائه». إلّا أن زيسر تخوّف من أن «تؤدي بعض الهجمات الإيرانية إلى إزهاق الأرواح، وهكذا فإن الحرب الإلكترونية ليست لعبة، ولا يقتصر الأمر على تعطّل إشارات المرور فقط، ولا حتى هجوم على نظام الكمبيوتر في مستشفى هيلل يافه لابتزاز الفدية، بل يمكن أن تسفر الهجمات الإلكترونية عن سقوط أرواح بشرية، ووقوع خسائر اقتصادية هائلة». وفي الاتّجاه نفسه، نبّه المراقب العام للدولة، متنياهو إنغلمان، في مقابلة مع صحيفة «معاريف»، إلى أنه مع «اشتداد ذروة الهجمات السيبرانية المتبادلة بين طهران وتل أبيب، تتزايد المخاوف الإسرائيلية من عدم الجاهزية الكافية لإمكانية رفع إيران لوتيرة استهدافاتها لمختلف المواقع المدنية والعسكرية، ما قد ينجم عنه أضرار كبيرة وخسائر فادحة». وأشار إنغلمان إلى أن إسرائيل تُوجّه ضربات قد تكون أكثر فتكاً باتجاه الأهداف الإيرانية، إلا أنه ثمّة «خشية إسرائيلية من أن تتسبّب الهجمات الإيرانية بإحداث شلل كبير في المُقدّرات الاقتصادية والتقنية الإسرائيلية، سواءً المصارف أو المشافي أو المؤسسات التجارية والبنى التحتية». وعن جاهزية كيان العدو لمثل هذه الهجمات، قال إنغلمان إن «الإجابة الدقيقة عن مدى استجابتنا للتهديد الإلكتروني هي لا، بدليل أنه منذ عام 2019 وقعت في إسرائيل 245 ألف جريمة إلكترونية، بما فيها التشهير والتحرّش الجنسي والسطو وغير ذلك».