بعد مرور عام على اندلاعه، يبدو أفق حلّ النزاع القائم في إقليم تيغراي الإثيوبي مسدوداً، مع رفض الحكومة المركزية التي يقودها آبي أحمد الدعوات الدولية إلى وقف إطلاق النار وإعلانها مواصلة حربها «الوجودية» ضدّ «جبهة تحرير شعب تيغراي»، التي هيمنت على الحياة السياسية في إثيوبيا لنحو ثلاثة عقود، فيما تهدّد اليوم بإسقاط أديس أبابا «في غضون أسابيع».
كيف نشأ النزاع؟
منذ تولّى آبي، المتحدّر من عرقية أورومو وأمهرة، السلطة، بدأ إبعاد قادة جبهة تحرير تيغراي تدريجياً من مناصب المسؤولية في أديس أبابا، فانتقلوا إلى المعارضة بعد فترة طويلة قضتها الجبهة في حكم إثيوبيا، ما حدّ من نفوذها السياسي، فانكفأت إلى تيغراي حيث أعادت ترميم شرعيّتها في تحدّ لأديس أبابا من خلال تنظيم الانتخابات التي لم تصرّح السلطات بها في أيلول 2020.

وسيطرت الجبهة في منطقتها على معدّات عسكرية، ويعتقد أنها كانت تعتمد على نحو 200 ألف عنصر من القوات شبه العسكرية والمسلحين في بداية الحرب. لكن قادة الحزب فرّوا منذ أواخر تشرين الثاني 2020 مع تقدّم قوات أديس أبابا التي بدأت حملتها العسكرية عليها في مستهل ذاك الشهر.

وتفاقم الخلاف بين الحكومة الإثيوبية وإقليم تيغراي بعدما أقرّ البرلمان، بطلب من آبي أحمد، تأجيل الانتخابات العامة التي كانت مقرّرة في حزيران 2020، وتمديد ولاية رئيس الوزراء التي انتهت في أيار 2020، فاعتبر الإقليم هذا الإجراء غير دستوري، وأعلنت رئيسة البرلمان المنتمية إلى تيغراي استقالتها من منصبها. وفي حزيران 2020، نظّم حزب «جبهة شعب تيغراي» الانتخابات في الإقليم بصورة منفردة، فرفضت الحكومة المركزية الاعتراف بها واعتبرتها غير قانونية.

واعتبرت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي الحاكمة للإقليم، قرار الحكومة المركزية وقف التحويلات المالية منها إلي الحكومة الجديدة إعلاناً للحرب عليه، لتبدأ، في 2 تشرين الثاني، الاشتباكات المسلّحة بين الطرفين. وأمر آبي أحمد بردّ عسكري على هجوم وصفه بأنّه «غادر» استهدف معسكرات الجيش الفدرالي في تيغراي، محمّلاً «جبهة تحرير شعب تيغراي» المسؤولية، وهو ما نفته الحركة معتبرة أنّه «مجرّد ذريعة لغزو الإقليم».

وأرسلت إريتريا المجاورة قوات إلى تيغراي لمؤازرة القوات الإثيوبية، الأمر الذي نفته إثيوبيا على مدى أشهر، ليعود ويقرّ آبي أحمد بذلك في 23 آذار الماضي، بعد توجيه المفوضية الدولية لحقوق الإنسان اتهامات لجنود إريتريين بارتكاب المجازر والانتهاكات في الإقليم.

وفي ظل الصراع الإقليمي مع مصر والسودان، بسبب ملء وتشغيل سد النهضة بشكل أحادي، الصراع الذي دفع الجانب المصري والسوداني للتصعيد ضد أديس أبابا، ما دفع الحكومة الإثيوبية الى جمع قواتها ونشرها لحماية سد النهضة. تزامن ذلك مع تقدّم «قوات جبهة تيغراي» نحو عاصمة الإقليم ميكلي، ومغادرة الإدارة المؤقتة التي عيّنها آبي أحمد.

وفي البداية، حاول أبي أحمد التهدئة داخلياً للتفرغ في صراعه الإقليمي، لتعلن الحكومة الفدرالية «وقفاً لإطلاق النار من جانب واحد»، وافقت عليه قوات جبهة تيغراي «من حيث المبدأ»، لكنّهم تعهّدوا بمواصلة القتال إن لم تُلبَّ شروطهم، وبعد يوم واحد أعلنت الجبهة استعادة السيطرة على ميكلي.

وفي 21 حزيران، حقق آبي أحمد فوزاً ساحقاً في الانتخابات التشريعية التي أُجريت واستثنيت تيغراي منها، وأكثر من نحو 547 دائرة انتخابية في البلاد. وضمن أبي أحمد بقاءه في منصبه لولاية جديدة مدّتها 5 سنوات. إثر ذلك، شنّت قوات الجبهة هجوماً جديداً وأعلنت أنها سيطرت في الجنوب على ألاماتا، كبرى مدن المنطقة، وأنها تقدّمت في ولاية أمهرة ثاني أكبر إقليم في إثيوبيا من حيث عدد السكان. كما أعلنت أنّها تحالفت مع قوات من إقليم أورومو وتقدّمت جنوباً واستولت على ديسي وكومبولتشا، أقرب نقطة من العاصمة الإثيوبية، ومطارها، وإمكانية أن تزحف صوب العاصمة أديس أبابا.

وفي 1 تشرين الثاني، أعلنت أديس أبابا حالة الطوارئ في كل أنحاء البلاد، ودعت السكان إلى تنظيم صفوفهم للدفاع عن المدينة عن طريق حمل السلاح والدفاع عن أحياء العاصمة. من جهته، قال أودا طربي الناطق باسم جيش تحرير أورومو إن دخول مقاتلي الجيش المتحالف مع الجبهة إلى أديس أبابا «مسألة أسابيع فقط وليست أشهراً»، في حين، تعهّد آبي أحمد بإفشال تحوّل البلاد إلى ما يشبه ليبيا أو سوريا.

تيغراي... موقع ديني واقتصادي وسياسي مهم
يحظى إقليم تيغراي، الذي يقع عند أطراف البلاد الشمالية، بوزن ثقافي واقتصادي وسياسي ضخم احتفظ به عبر التاريخ، فقد لعب دوراً محورياً في تاريخ إثيوبيا ولا سيّما على الصعيد الديني، وهو اليوم بفعل تراثه إحدى الوجهات السياحية الكبرى في البلاد. ففيه تقع مدينة أكسوم المصنفة على قائمة «اليونسكو» للتراث العالمي والتي كانت مركزاً للحضارة الإثيوبية القديمة. كانت المدينة مقر مملكة أكسوم بين القرن الأول والقرن التاسع. وبفضل الجهود التبشيرية للكنيسة القبطية، أصبحت المسيحية في القرن الرابع الديانة الرسمية لمملكة أكسوم. ومن أبرز معالم المدينة مسلّة يرجّح أنها تعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد، يصل ارتفاعها إلى 24 متراً.

وأكسوم موقع مقدّس للمسيحيين الأرثوذكس الذين يشكلون الأغلبية في إثيوبيا، إذ تحتوي بحسب الكنيسة الإثيوبية على تابوت العهد الذي يقال إن ألواح العهد حفظت فيه، حمله إليها من القدس الإمبراطور منليك الأول، الذي يعتبر ابن الملك سليمان وبلقيس ملكة مملكة سبأ، ويعتبر ملوك إثيوبيا أنهم يتحدّرون منه. وتقول الرواية إن تابوت العهد لا يزال محفوظاً إلى اليوم في كنيسة مريم سيّدة صهيون، أقدس المواقع لدى مسيحيي إثيوبيا. ويضمّ الإقليم عشرات الكنائس القديمة المحفورة في الصخر أعلى كتل صخرية شاهقة، كما يوجد فيه مسجد النجاشي التاريخي الذي يقصده الزوار المسلمون.

يُعدّ تيغراي أيضاً منطقة زراعية تنتج مزروعات مهمّة مثل السمسم المعدّ للتصدير، كما تضمّ صناعات تنتج على المستوى الوطني.

على المستوى السياسي، هيمن إقليم تيغراي، عبر «جبهة تحرير شعب تيغراي»، على الهيئات السياسية والأمنية في إثيوبيا من 1991 (حين سقطت الحكومة العسكرية المؤقتة لإثيوبيا الاشتراكية) إلى وصول رئيس الوزراء آبي أحمد إلى السلطة عام 2018. وحكم الزعيم التيغراني ملس زيناوي إثيوبيا خلال الجزء الأكبر من تلك الفترة.