يوم اقتحم الإيرانيون سفارة الولايات المتحدة في طهران عام 1979، عقب انتصار الثورة الإسلامية، وصف قائد الثورة الإيرانية الإمام الخميني الاستيلاء على السفارة بأنه «ثورة أكبر من الثورة الأولى». واليوم، عشية ذكرى الحدث نفسه، يأتي الشريط المصوّر لحادثة بحر عُمان التي ظهر فيها تدخل القوات البحرية الإيرانية التابعة للحرس الثوري، وإحباط محاولة أميركية لمصادرة ناقلة نفط محمّلة بنفط إيراني، موثّقاً هزائم متتالية لواشنطن.
وفيما نفت وزارة الدفاع الأميركية نية واشنطن السيطرة على الناقلة التجارية، تمّ نشر الإنزال العسكري الموثق، اليوم، بعد تسعة أيام على الحادثة، في توقيت لافت يُرجّح أن الإيرانيين يريدون تذكير الأميركيين بالضربة الأولى والأقسى ضدهم والتي حصلت بعد أقل من تسعة أشهر على إطاحة الشاه محمد رضا بهلوي المدعوم من واشنطن. إذ نتج من اقتحام السفارة والسيطرة عليها، كشف ملفات حساسة وأمنية داخل حرم السفارة في مبنى تابع لوكالة الاستخبارات، وأدت إلى كشف شبكات التجسس الأميركية داخل إيران وخارجها.

ومن خلال الشريط المصور الذي نُشِر اليوم، والذي وثّق العملية البحرية الجديدة في ذروة التوتر بين البلدين في مياه منطقة الخليج، منذ احتجاز الحرس عشرة جنود من البحرية الأميركية، اخترقوا المياه الإقليمية الإيرانية عام 2016، ستظل مشاهد العملية راسخة كأخرى تكررت غير مرة في البحر نفسه.

ويوم احتجاز الحرس جنود البحرية العشرة، تدخلت السبل الدبلوماسية لحل الموضوع ودياً بين البلدين، ونجحت المحاولات بعد اتصالات حصلت بين وزيرَي الخارجية الأميركي جون كيري، والإيراني محمد جواد ظريف. وبينما أُخليَ سبيلهم ظلّت الصورة حاضرة: الجنود الأميركيون راكعون وأياديهم خلف رؤوسهم، لتعنوِن بعدها الصحف الأميركية والإسرائيلية حينها المشهد بـ«صور إذلال الأميركيين».

وبعد الإعلان عن الإفراج عن الجنود، تفادت واشنطن وطهران أزمة بين البلدين لكن الأزمة ظلت داخل المجالس السياسية في الولايات المتحدة بين الجمهوريين والديموقراطيين، وخصوصاً أن الحرس الثوري أعلن، في بيان، أنه «بعد تقديمهم الاعتذار، أطلق سراحهم في المياه الدولية، إذ تبيّن بعد التدقيق أن دخولهم المياه الإقليمية للبلاد لم يكن عن قصد».

مشهد الذل تكرر مجدداً، بعدما نُشر الفيديو الجديد، وفيه يظهر قرب قوات الحرس وهي في حالة استنفار قصوى، من قوات الـ«مارينز» الأميركية، التي لم تكن على جهوزية تامة، حتى إن معظم الجنود الأميركيين، في مشهد مفاجئ، كانوا بلا أسلحتهم الفردية. ولم يهدأ الأخذ والرد بين الدولتين يوماً وخصوصاً في منطقة ذات أهمية استراتيجية تعتبر ممرّاً أساسياً لثلث إمدادات نفط العالم.

في 11 أيار الماضي، أعلن الحرس الثوري أنه حذّر قطعاً بحرية أميركية بعد تصرف «غير مسؤول» من قبلها، بعيد إعلان البنتاغون إطلاق نيران تحذيرية باتجاه قوارب إيرانية في مضيق هرمز. وهو ما تُرجِم في نيسان الماضي، عندما اقتربت زوارق إيرانية من سفينتين أميركيتين في المياه الدولية شمال الخليج، ما دفعها إلى إطلاق نيران تحذيرية.

وسابقاً، أثناء الحرب العراقية ــــ الإيرانية، زرع الإيرانيون الألغام في مضيق هرمز وأطلقوا قوارب هجومية ضد كل من الناقلات والسفن الحربية الأميركية.

وفي حزيران من عام 1987، انفجرت سادس أكبر سفينة في العالم، الأميركية (إس إس بريدجستون)، بعد عبورها على لغم إيراني لتغرق بالكامل. حينها، ردّ الجيش الأميركي، ودمّرت السفن الحربية التابعة له رصيفين بتروليين عائمين تابعين لإيران، وأغرقت 3 مدمرات وأصابت فرقاطتين إيرانيتين أخريين.

كانت الحرب علنيةً وقتها، لكن عدا عن أحداث قليلة، انخفض منسوب المواجهة البحرية بشكل عام بعد انتهاء حرب الخليج الأولى. أما اليوم، فدخلت معركة السفن في مشهد جديدا، إذ أصبحت متعددة الأطراف والمساحات، ولم تعد بين سفن حربية فقط، بل انتقلت إلى سفن تجارية، تملكها دولة وتشغلها أخرى، ويمكن الثالثة أن ترفع علمها عليها.

فوق كل هذا، وصل التماس اليوم بين الإيرانيين والأميركيين إلى المواجهة المباشرة، وعليه، قد لا تكون هذه المواجهة الأخيرة، ولا الصورة الأخيرة لانتهاء وهم التفوق العسكري الأميركي، لكن الحدث يفتح باب الاحتمالات والتساؤلات عن رفع مستوى المواجهة وتوسيع الجبهات، والسيناريوات المحتملة قبل تحديد موعد العودة إلى كرسي المفاوضات النووية.