بينما تتواصل عمليات الكرّ والفرّ بين مقاتلي حركة «طالبان» من جهة، وقوات الأمن الأفغانية من جهة ثانية، على طول جغرافيا البلاد، يتمدَّد القلق إلى دول جوار أفغانستان، إيران وباكستان ودول آسيا الوسطى (طاجيكستان وكازاخستان وأوزبكستان)، وسط خشية هذه البُلدان من إحكام «طالبان» قبضتها على الـ15 في المئة المتبقية من مساحة البلاد خارج سيطرتها. ولا تبدو محاولات الحركة لبثّ الطمأنينة حيال التزامها بخريطة السلام، كافية بالنسبة إلى دول الجوار التي نمت مخاوفها بصورةٍ غير اعتيادية لجهة مستقبل الحُكم في أفغانستان، وما يمكن أن ينتج من استيلاء «طالبان» على السلطة من موجة لجوء جديدة لن تستطيع - لا سيما باكستان وإيران - بأيّ حال تحمُّل تبعاتها، في ظلّ الصعوبات الاقتصادية التي تواجهانها. في هذا الوقت، تتواصل المحادثات ببطء شديد في العاصمة القطرية، الدوحة، في موازاة أخرى استضافتها طهران وموسكو، قبل أيّام، بينما يستمرّ رسم خطط لن توضع موضع التنفيذ طالما استمَّرت «طالبان» في سياسة القضم المتسارع، والتي منحتها، كما تدّعي، 85 في المئة من مساحة البلاد، بعدما تمكّن مقاتلوها من بسط سيطرتهم على مساحات شاسعة في العمق الأفغاني منذ بدء انسحاب القوات الأجنبية في أيار الماضي، والمتوقَّع اكتماله في 31 آب المقبل، وفق الإعلان الأخير الصادر عن الرئيس الأميركي، جو بايدن.وللدلالة رمزيّاً على انتهاء «مهمّة» الولايات المتحدة في أفغانستان، سلَّم قائد القوات الأميركية والأطلسية في هذا البلد، الجنرال أوستن سكوت ميلر، مهامه، يوم أمس، إلى قائد القيادة الأميركية الوسطى (سنتكوم)، الجنرال كينيث ماكنزي، الذي «اعترف» بأن الأمور ستختلف جداً عمَّا كانت عليه في السابق، قائلاً: «لن أهوّن من ذلك. لكننا سندعمهم (القوات الأفغانية)»، لكنّه حذّر، في الوقت ذاته، من سعي «طالبان» إلى «حلّ عسكري» للحرب التي تغادرها الولايات المتحدة، هرباً من تحمُّل نتائج ما اقترفته خلال الأعوام الـ20 الماضية، مكتفيةً، بدعوة الأطراف الأفغانيين للتوصُّل إلى حلّ سياسي وصفهُ الناطق باسم «البنتاغون»، جون كيربي، بـ«غير المفروض من الخارج».
أكد الحرس الثوري أن سيادة وسلامة الأراضي الإيرانية «تعتبر خطاً أحمر»


تطمينات واشنطن بعدم التدخُّل في ما لا يعنيها، يقابلها تمدُّد غير مسبوق لحركة «طالبان» على الأرض، بعدما باتت تسيطر على معظم ولاية بدخشان على الحدود مع الصين، فضلاً عن مناطق واسعة من ولاية طخار على الحدود مع طاجيكستان ذات النفوذ الروسي، إضافة إلى معبرَي «إسلام قلعة» و«أبو نصر فراهي» من أصل ثلاثة معابر حدودية بين أفغانستان وإيران. ولم تَعُدْ القوات الأفغانية تسيطر سوى على المحاور الرئيسة وكبرى المدن الإقليمية، وسط حصار يفرضه مقاتلو الحركة الذين باتوا يسيطرون على عدّة مناطق مجاورة للعاصمة الأفغانية، على الكثير من هذه المدن، وهو ما أثار الخشية من شنّ هجوم على كابول أو مطارها الذي سيكون تحت حماية تركية بعد اكتمال الانسحاب الأجنبي. ومع تزايد احتمالات فقدان السيطرة على ما تبقّى لها من مساحة في قبضتها، أعلنت السلطات الأفغانية، أوّل من أمس، تشغيل «نظام دفاع جوي» لحماية مطار كابول، سبيل الخروج الوحيد للرعايا الأجانب، بينما أجْلت بعض الدول دبلوماسييها، في مؤشّر إلى المخاوف المتنامية وسط التقدّم السريع للحركة؛ وأعلنت الهند إجلاء موظفيها من قنصليتها في قندهار (جنوب)، فيما أغلقت روسيا حديثاً قنصليتها في مزار شريف، أبرز مدن ولاية بلخ المحاذية للحدود مع أوزبكستان، في قرار اتُّخِذ على خلفية المعارك في شمال أفغانستان. كما دعت بكين رعاياها إلى مغادرة البلاد، وأجلت 210 من مواطنيها في بداية تموز الجاري. ويأتي ذلك في وقتٍ أعربت باكستان (أغلقت معبر «تُرخم» مع أفغانستان منذ الأسبوع الماضي)، على لسان وزير خارجيتها، شاه محمود قريشي، عن خشيتها من اشتعال حرب أهلية في أفغانستان، لافتةً إلى أن «السيطرة بالقوّة العسكرية من أيّ طرف كان، لن تحلّ المشكلة». وفي الإطار نفسه، حذّر الناطق باسم القوات المسلحة الباكستانية من تدفُّق لاجئين أفغان إلى الأراضي الباكستانية، فيما أعلن قائد القوّة البرية التابعة للحرس الثوري الإيراني، اللواء محمد باكبور، أن «الأمن والاستقرار يسودان الحدود الشرقية الإيرانية»، في ظلّ التطورات الأمنية التي تشهدها الحدود مع أفغانستان. وقال، خلال تفقُّده منطقة دوغارون الحدودية شمال شرقي البلاد، إن هناك ضرورة لضمان أمن المناطق الحدودية، مؤكداً أن سيادة وسلامة الأراضي الإيرانية «تعتبر خطاً أحمر».