لأشهر، قام جو بايدن بحملات عنوانها واحد واختلافاتها كثيرة: صوِّتوا وسننهي الأمر. سننهي هذا الجنون، عدم الكفاءة، والمشهد اليومي المرهق لرئاسة دونالد ترامب. وقبل عدّة أيام، قال بايدن: «أعدكم بهذا. سأنهي فوضى دونالد ترامب ومعها هذه الأزمة».لكن ليس بعد. فانتخابات 2020 - التي انتظرها الديمقراطيون لمدّة أربع سنوات منذ مفاجأة 2016 المذهلة التي جعلت ترامب رئيساً - ليست الضربة القاضية التي أرادها بايدن. لا تزال المنافسة بين الأخير وترامب متقاربة جدّاً. وعلى الرغم من أن بايدن قد يحسمها وبشكل قاطع، إلّا أن شبح المواجهة القانونية بعد الانتخابات، والتي هَدّد بها ترامب، يلوح في الأفق.
لطالما كان ترامب رئيس أقلّية، يحكم جزءاً من البلاد في مواجهة بقية البلاد. والصدمة الناجمة عن انتخابه عام 2016، أصبحت منطقه السياسي، وفي نهاية المطاف مخطّطه لإعادة انتخابه. لماذا يفعل شيئاً مختلفاً بينما تحدّى الجميع وفاز في المرّة الأولى؟ مع احتساب آخر الأصوات، سيظهر بشكل شبه مؤكد أن بايدن تخطّى هامش التصويت الشعبي لكلينتون البالغ 2.87 مليون. ومع ذلك، اعتقد ترامب حتى النهاية أن لا شيء مهمّاً سوى الحفاظ على دعم قاعدته الجمهورية. وحتى قبل صدور النتائج النهائية، يمكننا القول إنه لا تزال هناك دولتان، وإن ترامب، على الرغم من كوارث حكمه، احتفظ بولاء الغالبية العظمى من أميركا الحمراء، أميركته.
في النهاية، المسألة ليست مسألة استطلاعات رأي صائبة أو خاطئة، على الرغم من أنها بدت كذلك في بعض الولايات الرئيسة. إنها مسألة عدم اليقين في بلد منقسم إلى حدّ الإيلام، ولعلّها السمة الأبرز لواشنطن، وللسياسة الأميركية على نطاق أوسع، في عهد ترامب. تشكيك ترامب المستمرّ في مؤسّساتنا الحكومية ونظامنا الانتخابي قد أسفر عن النتيجة المرجوّة، حتى لو لم يَعد رئيساً لأربع سنوات أخرى: قوة عظمى مُمزّقة من الداخل، ولم تعد تثق بديمقراطيتها.
لطالما شعرْت في عهد ترامب أن تغطيَتِي الإعلامية لواشنطن الترامبية مَهمّة غريبة. كذلك الأمر أثناء تجوالي في العاصمة في الأيام القليلة الماضية ورؤية واجهات المتاجر مغطّاةً بألواح خشبية، والشوارع مطوّقة بحواجز إسمنتية في محيط البيت الأبيض، تحسّباً لأحداث عنف غير مسبوقة بعد الانتخابات.
رأيْت مثل هذه المشاهد من قَبل في أماكن مثل أذربيجان وروسيا. إنها أميركا ترامب، وليست أميركا التي عرفتها.
إذاً، ماذا الآن؟ حتى اللحظة، يمكننا قول شيء واحد: القلق وعدم اليقين في هذه الانتخابات سيتمدّدان إلى صراع ما بعد الانتخابات، والذي قد يطول مع عواقب محتملة على ديمقراطيتنا، ستتجاوز بكثير الأسئلة الضيّقة حول موعد احتساب الأصوات الغيابية في ولاية بنسلفانيا، وسبب توتر نساء الضواحي في الغرب الأوسط من ترامب أكثر بكثير من اللاتينيات في جنوب فلوريدا.
النتيجة المرجوّة تَحقّقت: قوة عظمى مُمزّقة من الداخل، ولم تعد تثق بديمقراطيتها


قد تَرِدنا النتائج قريباً من ولايات بنسلفانيا وميشيغين وويسكونسن، لكن ترامب أعلن أنه لن يقبل الهزيمة في تلك الولايات. وفي ظهوره هذا الصباح في البيت الأبيض، ادّعى فوزه بالفعل في جميع الولايات الثلاث، واقترح وقف عدّ الأصوات، على الرغم من عدم وجود أيّ دليل على أن الأصوات المُعلّقة ليست قانونية. هل ستستمرّ معركة ترامب حتى الثامن من كانون الأول/ ديسمبر، موعد «الملاذ الآمن» الذي من المفترض أن تنتهي فيه نتائج الولايات؟ أو حتى 14 كانون الأول/ ديسمبر، تاريخ اجتماع الهيئة الانتخابية؟ أو حتى ظهيرة 20 كانون الثاني/ يناير، موعد أداء الرئيس القادم اليمين في مبنى الكابيتول؟
حتى قبل الانتخابات، كانت ملامح استراتيجية الجمهوريين لما بعد الانتخابات واضحة: تعطيل عملية الفرز لضمان أقلّ عدد ممكن من الأصوات في مناطق الديمقراطيين، وادّعاء التزوير على نطاق واسع. كان الهدف هو الوصول إلى المحكمة، وترامب كعادته اعترف بذلك بنفسه خلال عطلة نهاية الأسبوع، وأعلن أنه بمجرّد انتهاء الانتخابات «سنخوص ذلك مع المحامين».
يوم الأحد، اتخذ بنيامين ل. غينسبيرغ، أحد أبرز المحامين الجمهوريين لجيل كامل، خطوة غير مسبوقة بإدانة هذه الاستراتيجية في مقالة لصحيفة «واشنطن بوست». وبحسب إحصاء غينسبرغ، فإن حملة ترامب والحزب الجمهوري سبق أن رفعت أكثر من أربعين دعوى قضائية في جميع أنحاء البلاد قبل الانتخابات، مُتحدّيةً العديد من إجراءات التصويت والاقتراع على المستوى المحلي ومستوى الولاية، وكان الهدف من كلّ واحدة منها تقييد التصويت بطريقة ما. وأضاف غينسبيرغ أن مزاعم ترامب بالتزوير على نطاق واسع بالَغ فيها الحزب الجمهوري الذي يعرف أنها غير صحيحة، لكنه يُصرّ على الترويج لقصة «وحش بحيرة لوخ نيس». «حزبي يدمّر نفسه على مذبح ترامب»، حذّر غينسبيرغ.
مهما حدث في المحاكم، فمن المؤكد أن ترامب سيكون في دوّامة من عدم اليقين خلال الشهرين المقبلين، إلى حين موعد حفل التنصيب، وحتى بعد القرار الحاسم. وكَمَن يسعى للانتقام في أفضل الأوقات، سبق وأشار ترامب قبل الانتخابات إلى أنه قد يطرد قائمة طويلة من المسؤولين في حكومته مِمَّن يعتبرهم غير مخلصين بشكل كافٍ أو غير مستعدّين للالتزام بأوامره. ومِن هؤلاء مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، كريستوفر راي، المدعي العام ويليام بار، مديرة وكالة المخابرات المركزية جينا هاسبيل. وحتى في خضمّ الوباء، قد تطاول اللائحة كبير خبراء الأمراض المعدية في البلاد، الدكتور أنتوني فاوتشي. حتى في حال خسر ترامب، سيطردهم، ربّما بالتأكيد حينها. ببساطة، قد يطردهم في الغد. كيف لنا أن نعرف ذلك؟ هذا بالضبط ما فعله بعد خسارة الجمهوريين في الانتخابات النصفية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، حينما قام بفصل المدّعي العام، جيف سيشنر، غداة اليوم التالي.
الانتقام ليس الخطر الوحيد الذي ينتظرنا. حتى بعد هزيمته، قد يستخدم ترامب سلطاته التنفيذية لإلحاق المزيد من الأضرار قبل الـ20 من كانون الثاني/ يناير. يمكنه كسر الأعراف والتقاليد أكثر مما فعل، وقد يعفو عن أسرته وأصدقائه، وربّما حتى عن نفسه. يمكنه أن يهزّ ثقة الجمهور بلقاح فيروس كورونا، أو أن يوقف معركة الحكومة ضدّه تماماً. هناك العديد من السيناريوات للخراب الذي قد نشهده، وجميعها تنسجم إلى حدّ كبير مع رئاسة ترامب حتى الآن.
لذا، فإن السؤال الآن ليس إلى أيّ مدى سيذهب ترامب للبقاء في منصبه؟ فقد أجابت السنوات الأربع الماضية على ذلك بشكل قاطع، بل هل هناك مِن أحد ليوقفه بينما تَدخُل أميركا في حالة من عدم اليقين الخطيرة لانتخابات لا فائز فيها حتى اللحظة؟

(نيويوركر - سوزان غلاسر)

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا