حتى مساء أمس، كانت كل المؤشرات تقول إن بوريس جونسون هو الأوفر حظاً في الفوز بانتخابات رئاسة حزب «المحافظين»، والتي ستعلن نتائجها اليوم. سيبدأ رئيس الحزب المفترض، والذي سيكلّف تشكيل الحكومة، ولاية تعجّ بالمشاكل بسبب نهجه في ملف «بريكست». وكانت أولى الإشارات أمس، مع استقالة وزارية، يتوقع أن تُلحق باستقالتين، في حال إعلان فوز جونسون.كرّت سبحة الاستقالات في الحكومة البريطانية قبل إعلان اسم رئيسها المقبل، إذ قرّر وزير الدولة للشؤون الخارجية آلان دنكان عدم الانتظار، فأعلن استقالته، صباح أمس، فيما هدّد وزير المالية فيليب هاموند، ووزير العدل ديفيد غوك، بالاستقالة، إذا فاز وزير الخارجية السابق بوريس جونسون، في انتخابات زعامة «المحافظين» التي انتهت أمس. جونسون، الذي يبدو أن حظوظه في الفوز أكبر من فرص خصمه وزير الخارجية الحالي جيريمي هانت، يبدو أنه مقبل على ولاية حافلة بالمشاكل، على رأسها «معركة» خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «بريكست».
المشاكل التي تنتظر جونسون بدأت تتبلور قبل انتخابه زعيماً لـ«المحافظين» خلفاً لتيريزا ماي، وكان محرّكها الرئيس عدم استبعاده خروجاً من الاتحاد الأوروبي بلا اتفاق في 31 تشرين الأول/ أكتوبر، بعدما كان «بريكست» محدداً في 29 آذار/مارس الماضي. هذا الأمر دفع وزير المالية هاموند إلى القول: «إذا افترضنا أنّ بوريس جونسون أصبح رئيس الوزراء المقبل، فسأدرك أنّ شروط العمل في حكومته تتضمن الموافقة على خروج بلا اتفاق في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر، وهذا شيء لا يمكنني أبداً القبول به». وأشار في تصريح إلى شبكة «بي بي سي» إلى أنّه سيستقيل قبل دعوته إلى حزم حقائبه، أو انتهاء مهامه بحكم الأمر الواقع مع انتهاء ولاية حكومة تيريزا ماي. وقال: «أنا على يقين من أنني لن أطرد، إذ سأستقيل قبل الوصول إلى ذلك». وتابع: «من المهم جداً أن يحظى رئيس الوزراء بوزير يتبع خطاً سياسياً يكون قريباً جداً من سياسته، وبالتالي أعتزم تقديم استقالتي إلى تيريزا ماي قبل ذهابها إلى قصر (باكنغهام) لتقديم استقالتها (إلى الملكة اليزابيت الثانية)». وإذا كان مستبعداً جداً أن يحافظ فيليب هاموند على منصبه في حال فوز جونسون، فإنّ تصريحاته تؤشر إلى معارضة تنشأ داخل «داونينغ ستريت» لرئيس الوزراء المحتمل. بدوره، اعتبر وزير العدل ديفيد غوك أنّ مغادرة الكتلة الأوروبية من دون اتفاق يشكّل «مذلة»، كما أعلن في صحيفة «صنداي تايمز» أنّه سيستقيل في حال فوز جونسون.
افتتح دنكان سبحة الاستقالات من دون انتظار نتيجة تصويت الحزب


ويشكّل تصوّر جونسون لآلية الخروج مشكلة مع أشخاص عديدين، منهم «متشدّدو بريكست» وآخرون يرفضون الخروج من دون اتفاق، ما يعني العودة إلى الإجراءات الجمركية. وزير الدولة للشؤون الخارجية، وهو أحد المعارضين لجونسون، كان أسرع من هاموند وغوف، إذ خرج صباح أمس، ليفتتح سبحة الاستقالات من دون انتظار نتيجة تصويت الحزب. وفي رسالة استقالته، أكد دنكان أنه «غير مستعد للخدمة في حكومة يقودها بوريس جونسون»، مشدداً على أن قرار «بريكست» أضعف دور لندن في أوروبا، وقال في هذا الخصوص إنه «من المؤسف أنه في الوقت الذي كان يمكن فيه لبريطانيا أن تكون القوة الفكرية والسياسية المهيمنة في أوروبا وما وراءها، فإننا نمضي أيامنا تحت مظلة بريكست المظلمة». كذلك، ذكرت صحف بريطانية نية عدد من نواب «المحافظين» مغادرة الحزب والانضمام إلى «الليبراليين الديمقراطيين» المعارض، ما يعني أن «المحافظين» قد يفقد تماماً الأغلبية البسيطة التي يتمتع بها حالياً.
وقبل إعلان اسم جونسون رسمياً رئيساً للوزراء، بدأت الصحف البريطانية بالحديث عمّا بعد فوزه. صحيفة «ذي إندبندنت» عبّرت من خلال نشر كاريكاتير عن حالة الفوضى السياسية التي تنتظر بريطانيا مع اقتراب جونسون من تولي المنصب. وأظهر الرسم طابوراً من الوزراء حاملين استقالاتهم، بسبب إصرار جونسون على «بريكست» من دون اتفاق. كذلك، جسّد الكاريكاتير جونسون على شكل قنبلة على حافة الهاوية مكتوب عليها «خروج بدون اتفاق أو الفشل»، بينما يتلقى استقالات متتالية من أعضاء الحكومة. ومن هنا، يبدو أنه سيكون بانتظار جونسون عدة مشاكل ستعقّد الأمر فور وصوله.
وبانتظار معرفة اسم رئيس الوزراء «المحافظ» الذي سيعلن اليوم، قرّر 160 ألف عضو في حزب «المحافظين» أن يختاروا بين جونسون وهانت. وجرى التصويت أمس، بشكل مغلق. وسيعيّن الفائز رئيساً للحزب، وعليه غداً أن يزور الملكة إليزابيث الثانية التي ستكلفه تشكيل حكومة. وستكمُن المهمة الكبرى لرئيس الوزراء الجديد في النجاح حيث أخفقت تيريزا ماي، أي في ملف خروج البلاد من التكتّل الأوروبي، الذي لا يزال البلد منقسماً حول صيغة تنفيذه. وقد بدا ذلك جلّياً من خلال تجمّع عشرات الآلاف من الأشخاص، السبت الماضي، في شوارع لندن ليقولوا «نعم لأوروبا» و«لا لبوريس».