في عام 1908، أواخر عهد الحكم القاجاري في إيران، اكتُشف النفط في مدينة مسجد سليمان في محافظة خوزستان الجنوبية. الشركات البريطانية كانت المتحكّمة بعمليات استكشاف النفط واستخراجه، بحكم الهيمنة البريطانية على السياسة الداخلية الإيرانية خلال حكم محمد علي شاه القاجاري. بعد عام من اكتشاف النفط، في عام 1909، تسلّم أحمد شاه قاجار، آخر حكام السلالة القاجارية، زمام الحكم في إيران، وقدّم الامتيازات كافّة للحكم البريطاني الذي كان قد ربط طهران بديون هائلة نتيجة القروض الكبيرة التي صرفها الحكام القاجار وحاشياتهم في البذخ والرحلات والسفر.ظلّت الحكومة الإنكليزية تسرق النفط الإيراني بلا رقيب و لا حسيب لأكثر من 20 عاماً، حيث سقط الحكم القاجاري واعتلى رضا شاه بهلوي الحكم في عام 1925، مُؤسِّساً لمرحلة جديدة من الارتهان الإيراني للقوى الكبرى. حاول رضا شاه تنظيم العلاقة النفطية مع بريطانيا، فوقّع معها عقداً للاستفادة من بعض عائدات النفط في عام 1933، سُمّي «اتفاقية 1933»، حيث حصلت بريطانيا بموجبه على حق حصري بالاستفادة من النفط الإيراني لمدة تصل إلى 60 عاماً، لتظلّ بريطانيا المستفيد الأكبر من الثروات الإيرانية.
مع بداية الحرب العالمية الثانية، أبدى رضا شاه تعاطفاً كبيراً مع الزعيم الألماني أدولف هتلر، ما دفع القوات البريطانية والسوفياتية إلى التدخل عسكرياً في إيران، واحتلال مناطق شمال البلاد وجنوبها، والتموضع فيها، على رغم المقاومة الشعبية لذلك. حصل ضغط على رضا شاه لتسليم الحكم لنجله عام 1941، ونُفي بعد تنازله عن الحكم إلى الهند ليتسلّم نجله الشاه محمد رضا مقاليد الحكم، ويرتمي في أحضان الوصاية البريطانية والأميركية.
في عام 1951، مع تعاظم الاحتجاجات على الأوضاع الاقتصادية الإيرانية ورفض التدخلات الأجنبية، قام رئيس الوزراء الإيراني، محمد مصدّق، بمساندة نواب في مجلس الشعب، وبدعم من القيادة الدينية المتمثلة بآية الله كاشاني، وبفعل الضغط الشعبي، بإقرار قانون تأميم النفط وانتزاع الحق الإيراني من أيدي البريطانيين. وهو ما أثار حفلة جنون لدى القيادة الإنكليزية في لندن، بدأت بتقديم شكوى إلى المحاكم الدولية وتهديد إيران عسكرياً، وانتقلت إلى فرض سلسلة عقوبات على صادرات النفط الإيرانية لـ«تصفيرها». إذ أصدرت بريطانيا قرارات منعت بموجبها الدول كافة من شراء النفط الإيراني، وهددت بملاحقة أي شركة تشتري النفط قضائياً، ومنعت الشركات العالمية من تزويد إيران بالقطع الخاصة بصناعة النفط. ولم يتوقف جنون المملكة المتحدة عند هذا الحدّ، بل حجزت الأموال الإيرانية في الخارج، ومنعت الشركات البريطانية من دفع ديونها للشركات الإيرانية، إضافة إلى منع أي عمليات تجارية مع إيران على أساس الجنيه الإسترليني، وحجزت حاملات النفط كافة في الموانئ العالمية، ومنعت الدول من تصدير الحديد والشاي والسكر والمواد الأساسية إلى الداخل الإيراني.
سلسلة إجراءات اتخذتها المملكة المتحدة ضد شعب حليفها الشاه، الذي وجد نفسه وحيداً وسط مواجهة مفتوحة بين الإرادة الشعبية الإيرانية والعنجهية البريطانية، فقرّر الهرب إلى الخارج، لتدْخُل الولايات المتحدة لمؤازرة الحليف البريطاني ضد إيران. الإجراءات العقابية البريطانية لم تؤثر في الموقف الشعبي، ولم تغيّر من سياسات رئيس الوزراء مصدّق، فأرسلت لندن مدمرة بحرية عسكرية إلى منطقة عبادان الجنوبية، وأنزلت 4 آلاف مظلّي بريطاني على شواطئ الدول العربية المطلّة على الخليج. وبعد عامين من الحصار، انخفضت صادرات النفط الإيرانية عام 1953 من 660 ألف برميل يومياً إلى الصفر.
مع تشديد الحصار وترك الشاه لشعبه بوجه العقوبات والتهديد، كان لدخول الأميركيين على خط مواجهة الإرادة الشعبية في إيران أثر في زيادة تمسك الإيرانيين بمطالبهم. طلب رئيس الوزراء منهم شراء سندات خزينة، فتبرعوا للخزينة بمبالغ مالية ضخمة وصلت إلى 200 مليون تومان (كان يومها الدولار الأميركي يعادل 9 تومان)، أي ما يعادل 22 مليون دولار، كانت كافية لإدارة شؤون البلاد لمدى عامين من الحصار، ومن دون أي مردود نفطي أو تجاري، مع الاعتماد على الاكتفاء الذاتي في المحاصيل الزراعية، وتدوير الاستثمارات في الإنتاج الوطني، والاعتماد على الناتج المحلي، في ظلّ انقطاع تام لأموال النفط عن موازنة الحكومة.
الصمود الشعبي لأكثر من عامين دفع الولايات المتحدة إلى التخطيط مع الشاه لانقلاب عسكري على مصدّق. هكذا، نُفِّذَت عملية «أجاكس» في 19 آب 1953، حين تدخّلت الولايات المتحدة عبر دباباتها وعصاباتها الداخلية، وفرضت الانقلاب العسكري بالقوة المباشرة، وأطاحت مصدّق، وعاد الشاه على ظهر الدبابة الأميركية، رغم أنف الشعب الأعزل وسجن القيادات الثورية، لتنتقل إيران بنحو تام إلى الارتهان الأميركي.
الشعب الإيراني الذي رفض الانقلاب العسكري، تحرّك مع بداية الستينيات وواصل نضاله، ليثأر لنفسه ولوطنيته في 11 شباط 1979، يوم انتصرت الإرادة الشعبية، وخرجت إيران نهائياً من دائرة الهيمنة الأميركية. وحتى اليوم، لا يزال هذا الشعب يدفع فاتورة استقلاله وحريته والصفعة التي وجّهها إلى كل من بريطانيا العظمى والولايات المتحدة الأميركية منذ أكثر من 40 عاماً، ويعيد التأكيد أن ستة أجيال منه عاصرت العقوبات والحصار، ولا تزال إرادته هي المنتصرة.