يسابق بنيامين نتنياهو الوقت لتقديم تشكيلته الحكومية قبل نفاد المهلة القانونية المعطاة له، والمنتظر عند منتصف ليل الأربعاء ــــ الخميس. وهو، إذ يتلافى خيارات عديدة بإمكانها حلحلة العقد الحائلة دون أن يبصر الائتلاف النور لحسابات متعلقة بشخصه، يحاول تصعيد الضغوط إلى أقصاها عبر التلويح بالانتخابات المبكرة، التي صادقت لجنة برلمانية خاصة أمس على مشروع القانون المتعلق بها بالقراءتين الثانية والثالثة، تمهيداً للتصويت عليه اليوم داخل الكنيست. إزاء ذلك، يبدو أن ثمة سيناريووين أساسيين: إما أن ينجح نتنياهو في ترويض شركائه خلال ربع الساعة الأخير، وإما أن ينفتح الباب على انتخابات جديدة يبدو واضحاً أنها ستكون مختلفة عمّا سبقها أخيراً.أظهرت التجاذبات التي شهدتها الساحة الإسرائيلية، حتى الآن، أن مفتاح تشكيل الحكومة هو بيد رئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان. فهو القادر على حسم هذه المسألة في هذا الاتجاه أو ذاك. وهو ما دفع الرئيس المكلّف، بنيامين نتنياهو، إلى توجيه رسالة بدت أقرب إلى التوسل من أجل تليين موقفه المتصل بتجنيد «الحريديم». ويعود ذلك، كما بات واضحاً، إلى كون الأصوات الخمسة التي يملكها ليبرمان هي الأصوات المُرجِّحة في معادلة موازين القوى داخل الكنيست. مع ذلك، تبقى صورة المشهد السياسي في إسرائيل غير مكتملة، من دون عرض الخيارات البديلة أمام نتنياهو والأسباب الحقيقية التي تقف وراء امتناعه حتى الآن عن تبنيها.
بحسب قانون «أساس الحكومة» في الكيان الإسرائيلي، يفترض أن على نتنياهو، بعد إنهاء مدته القانونية ليل الأربعاء ـــ الخميس، أن يتنحّى (في حال فشله في تشكيل الحكومة)، ثم يبادر رئيس الدولة رؤوفين ريفلين إلى إجراء مشاورات نيابية لتسمية عضو كنيست آخر يقوم بمهمة تشكيل الحكومة. في حال نجاح المكلّف الجديد في مهمّته، تكون إسرائيل أمام تداول جديد في السلطة، وهو ما سبق أن تكرّر طوال تاريخها. أما إذا فَشِل، فيمكن 61 عضو كنيست إعادة تسمية نتنياهو مجدداً، وإلا تتجه الأمور نحو انتخابات مبكرة. لكن نتنياهو يبذل كل جهوده بهدف منع هذا المسار القانوني، على قاعدة إما أن يكون هو رئيس الحكومة أو لا أحد. ومن أجل ذلك، طرح اقتراح قانون حلّ الكنيست بهدف إعادة الانتخابات، على رغم أنه لم تمرّ 8 أسابيع على إجرائها. وهو يهدف، من وراء هذه الدعوة، إلى قطع الطريق على رئيس الدولة لتسمية شخصية أخرى بديلة منه لتشكيل الحكومة.
في السياق نفسه، يمكن نتنياهو أن يتنحى عن مهمة تشكيل الحكومة لمصلحة شخصية أخرى داخل حزب «الليكود»، انطلاقاً من أن القانون لا يفرض أن يكون المكلف تشكيل الحكومة رئيساً للحزب. وهكذا، يمكن «الليكود» أن يحافظ على موقعه كحزب حاكم (بمعنى من المعاني)، ولكن ليس عبر شخص رئيسه. وفي هذه الحالة، تزول العقبة أمام انضمام كتلة «أزرق أبيض» إلى الائتلاف، ويتم تشكيل حكومة وحدة وطنية.
من أبرز نتائج هذا المسار، اتساع القاعدة النيابية للحكومة، وسلب الأحزاب «الحريدية» ورقة الابتزاز التي تملكها، خاصة أنه يمكن حزبَي «الليكود» و«أزرق أبيض» أن يوفرا وحدهما أغلبية 70 عضو كنيست، من دون احتساب الأحزاب الأخرى التي يمكن أن تنضم أيضاً إلى هذه الحكومة. لكن نتنياهو يستبعد هذا المسار ــــ على رغم أن مصلحة حزبه تكمن فيه ــــ على قاعدة إما أن يحكم حزبُ «الليكود» من خلاله أو لا أحد، لذلك يقاتل بكل السبل لمنع تولّي شخصية أخرى، وهو يرى أن تصدّي أيٍّ كان لهذه المهمة سيكون بمثابة خيانة عظمى، ومؤامرة تستهدفه وتستهدف معسكر اليمين. واللافت أن أحداً من داخل «الليكود» لم يرفع إلى الآن الصوت ضده، الأمر الذي يعكس مستوى سيطرته داخل «الليكود»، وخشية الكثيرين من النتائج التي يمكن أن تترتب عن أي خطوة ينتهجونها.
أيضاً، ثمة خيار بديل يتجنّبه نتنياهو من شأنه أن يحلّ كل المشكلة، وهو تنفيذ مطلب ليبرمان عبر طرح قانون تجنيد «الحريديم» في الكنيست، حيث من المؤكد أنه سينال أغلبية كبيرة، خاصة أن أكثرية المعارضة الإسرائيلية تؤيده، من أجل إلزام «الحريديم» بالتجنّد في الجيش. وعندها، ينضمّ ليبرمان إلى الحكومة، وتصبح الأحزاب «الحريدية» أمام خيارين: إما الانضمام إلى الحكومة برئاسة نتنياهو نفسه من موقع التسليم بالقانون الذي صدّق عليه الكنيست، أو الامتناع عن ذلك. وفي هذه الحالة، يُبحَث عن شركاء آخرين من المعارضة، وتبرز من جديد أيضاً إمكانية تشكيل حكومة «وحدة وطنية». لكن الثمن الذي سيدفعه نتنياهو في هذا المسار، أنه سيخسر تأييد الأحزاب «الحريدية» التي يضمن تأييدها في الكثير من الخطوات القانونية والسياسية مقابل رشوة هنا وهناك.
وهكذا، يتضح أن المنشأ الحقيقي لتعثّر تشكيل الحكومة هو بالدرجة الأولى «شخصانية» نتنياهو، وحرصه على تحصين نفسه قانونياً لمنع محاكمته، تجنّباً لإنهاء حياته السياسية وزجّه في السجن.