علاقة تاريخية حميمة وشبه عضوية تجمع فرنسا بإسرائيل. الدولة التي تحولت إلى الحليف الأول لإسرائيل في بداية خمسينيات القرن الماضي، وأهدتها قنبلتها النووية، قبل أن تحلّ الولايات المتحدة في مكانها في بداية ستينياته، لم تفعل ذلك بدافع من عقدة ذنب نخبها السياسية والثقافية حيال اليهود بعد الحرب العالمية الثانية كما يظن الكثيرون. صحيح أن قطاعات واسعة في المجتمع الفرنسي تعاونت مع الاحتلال النازي، وأن بعضها لم يتردد في الوشاية بمواطنيه وجيرانه اليهود إلى جلاديهم النازيين، لكن هذه الحقيقة لا علاقة لها البتة بالموقف الذي اتُخذ بعد ذلك حيال الصراع العربي ـــ الصهيوني. اعتبارات سياسية واستراتيجية وأيديولوجية حكمت مواقف النخب الفرنسية المؤيدة لإسرائيل آنذاك، وقسم من هذه النخب كان لاسامياً بالفعل. اعتبارات مماثلة تحكم مواقف الرئيس المتدني الشعبية، إيمانويل ماكرون، اليوم، مع فارق أن فرنسا التي كانت قوة استعمارية متراجعة في تلك الحقبة تحولت راهناً إلى لاعب ثانوي على المستوى الدولي، على رغم عدم مطابقة سرديتها عن نفسها ومزاعمها الرنانة لهذا الواقع. لا يمنع طغيان الحسابات الداخلية، التي تشكل خلفية وعد ماكرون للمنظمات الصهيونية في فرنسا بقوننة المساواة بين مناهضة الصهيونية واللاسامية، كون هذا الوعد استفزازاً صارخاً لم يتجرأ عليه رئيس فرنسي سابقاً، للعرب والمسلمين، وللملايين عبر العالم الذين يعرفون الطبيعة العنصرية والاستعمارية للمشروع الصهيوني، ويعادونه لهذا السبب. سيكون وعد ماكرون سبباً إضافياً للمزيد من ذبول صورة فرنسا عالمياً، وانكشاف زيف القيم التي تتلطى بها أمام القاصي والداني وتفاهتها.